ما كان ابن صفية جبانا ولا لئيما ولكن الحين ومصارع السوء ثم قال: ناولني سيفه فناوله وهزه وقال: سيف طال ما جلى به الكرب عن وجه رسول الله (ص) فقال ابن جرموز الجائزة يا أمير المؤمنين؟ فقال؟ اما اني سمعت رسول الله يقول: بشر قاتل ابن صفية بالنار، فخرج ابن جرموز خائبا. ثم خرج ابن جرموز على علي (ع) مع أهل النهروان فقتل فيمن قتل.
هذا حال الزبير، واما ابنه عبد الله فلم يزل في المعركة حتى صار يوم الثالث من أيام الجمل فبرز عبد الله بن الزبير أول الناس ودعى المبارزة فبرز إليه الأشتر، قالت عائشة: من برز إلى عبد الله قالوا: الأشتر، فقالت: وا ثكل أسماء، فضرب كل واحد منهما صاحبه ثم اعتنقا فصرع الأشتر عبد الله وقعد على صدره فصاح عبد الله بالناس اقتلوني ومالكا، إلا أن أكثر من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض وكان الأشتر طاويا ثلاثة أيام لم يطعم وهذه عادته في الحرب وكان شيخا عالي السن فأفلت ابن الزبير من تحته، وفي ذلك يقول الأشتر:
أعائش لولا انني كنت طاويا * ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكا غداة ينادي والرجال تجوزه * بأضعف صوت اقتلوني ومالكا فنجاه مني اكله وشبابه * واني شيخ لم أكن متماسكا ما نجاه من مالك إلا جوع مالك وضعفه، وهذا واضح بان الرجل إذا كان جائعا يضعف عن القتال وإن كان في أعلى درجة من الشجاعة وارفع مرتبة من الشهامة. فكيف بمن برز إلى القتل وهو جائع عطشان مكروب محزون، وقلبه مقروح، وبدنه مجروح ومع ذلك ظهر منه من الشجاعة ما يضرب به المثل وشجاعته أعجزت الأواخر والأوائل وهو ابن أمير المؤمنين بن علي عليهم السلام.
المجلس التاسع والعشرون ومن كلام لأمير المؤمنين (ع) لابنه محمد بن الحنفية، لما أعطاه الراية يوم الجمل:
تزول الجبال ولم تزل، عض على ناجدتك، أعر الله جمجمتك، تدنى الأرض قدمك