المجلس الخامس والأربعون (في الخصال) عن النبي (ص) الأمهات أربعة: أم الآداب، أم العبادات وأم الأماني، وأم الأدوية. أما أم جميع الآداب فقلة الكلام، واما أم جميع العبادات فقلة الذنوب، واما أم جميع الأماني فالصبر، واما أم جميع الأدوية فقلة الاكل.
الام: بمعنى الأصل، سميت مكة بأم القرى - لأنها هي أصل جميع الأراضي من مكة، وسميت الوالدة بالام لأنها أصل، والولد يولد منها، وجمع الام أمهات وأمات وقيل: الأمهات في الانسان والأمات في البهائم، والأمهات في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الأربعة بمعني الأصل، كما هو لا يخفى، أما الأدوية قلة الاكل - كما أشار بقوله تبارك وتعالى في الآية الشريفة (كلوا واشربوا ولا تسرفوا) وهي دواء نافع لا يحتاج معها إلى دواء آخر، بل ولا يشتكي الانسان معها داءا.
قيل: اجتمع عند الملك كسرى أربعة من الحكماء: عراقي ورومي وهندي وسوادي، فقال لهم كسرى: كل واحد منكم يصف لي دواء الذي لا داء معه! فقال العراقي: الدواء الذي لا داء معه أن تشرب كل يوم ثلاث جرع على الريق من الماء الساخن.
وقال: الرومي: الدواء الذي لا داء فيه أن تبلع كل يوم قليلا من حب الرشاد.
وقال الهندي: الدواء الذي لا داء معه أن تأكل كل يوم ثلاث حبات من الهليلج الأسود، والسوادي ساكت، وكان أحذقهم. فقال له الملك: لم لا تتكلم؟ فقال:
يا مولانا الماء الساخن يذيب شحم الكلى ويرخي المعدة، وحب الرشاد يهيج الصفراء والهليلج الأسود يهيج السوداء، قال فما الذي تقول أنت؟ قال: يا مولانا الدواء الذي لا داء معه أن لا تأكل إلا بعد الجوع، وإذا أكلت فأرفع يدك قبل الشبع فإنك لا تشكو إلا علة الموت ولا يخفى إن صحة البدن من أعظم نعماء الله على العبد ولا يدانيها شئ ولا يعرف قدرها إلا بعد فقدها: ولذا ورد في الخبر نعمتان مجهولتان: الصحة والأمان، وانفع الأدوية للصحة لمن أراد السلامة في أيام حياته قلة الاكل، وإن كان