الفصل الثالث في بيان ما يستنبط من الأحكام من قوله عليه السلام: " ولا على السهو سهو " في خبر حفص بن البختري وقوله: " ولا سهو في سهو " في مرسلة يونس.
اعلم أنه لما كان مفاد هذه الفقرة عدم السهو في السهو، وقد عبر به أكثر الأصحاب هكذا مجملا، وقد عرفت أن السهو يطلق في أخبارنا على الشك، وعلى ما يعمه ويشمله إطلاقا شايعا، ويحتمل كل من اللفظين كلا من المعنيين، فتحصل أربعة احتمالات الشك في الشك، والشك في السهو، والسهو في الشك، والسهو في السهو، والثاني من اللفظين في كل من الاحتمالات يحتمل الموجب بالكسر والموجب بالفتح، فبتوفيق المفضل الوهاب، أفتح لك في ثمانية فصول من جنان التحقيق ثمانية، أبواب، ليرفع عنك ما يدخل عليك منها من نسائهم التدقيق حجب الشك والارتياب.
الأول: الشك في موجب الشك بالكسر، أي يشك في أنه هل شك في الفعل أم لا؟ وذهب الأصحاب إلى أنه لا يلتفت إليه، والتحقيق أنه إن كان الشكان في زمان واحد، وكان محل الفعل المشكوك فيه باقيا، ولا يترجح عنده في هذا الوقت الفعل والترك، فهو شاك في أصل الفعل ولم يتجاوز محله، فمقتضى عمومات الأدلة وجوب الاتيان بالفعل، ولا يظهر من النصوص استثناء تلك الصورة، ويشكل تخصيص العمومات ببعض المحامل البعيدة لقوله: " لا سهو على سهو " ولو ترجح عنده أحد طرفي الفعل والترك فهو جازم بالظن غير شاك في الشك، ولو كان بعد تجاوز المحل فلا عبرة به.
ولو كان الشكان في زمانين ولعل هذا هو المعنى الصحيح لتلك العبارة بأن شك في هذا الوقت في أنه هل شك سابقا أم لا؟ فلا يخلو إما أن يكون شاكا في هذا الوقت أيضا، ومحل التدارك باق، فيأتي به، أو تجاوز عنه فلا يلتفت إليه، أو لم