ترك الاحرام أو جامع في إحرامه قبل الوقوف لكانت حجته فاسدة غير جائزة، لان ذلك من شرائط الحج وحدوده، لا يجب إلا مع الحج ومن أجل الحج، وكل ما كان واجبا قبل الفرض وبعده فليس ذلك من شرائط الفرض، لان ذلك أتى على حده والفرض جائز معه، وكل ما لم يجب إلا مع الفرض، ومن أجل الفرض، فان ذلك من شرائطه، لا يجوز الفرض إلا بذلك، على ما بينا، ولكن القوم لا يعرفون ولا يميزون، ويريدون أن يلبسوا الحق بالباطل إلى آخر ما ذكره - ره -.
فظهر أن القول بالصحة كان بين الشيعة بل كان أشهر عندهم في تلك الاعصار وكلام الفضل يرجع إلى ما ذكره محققوا أصحابنا من أن التكليف الايجابي ليس متعلقا بهذا الفرد الشخصي بل متعلق بطبيعة كلية شاملة لهذا الفرد وغيره، وكذا التكليف السلبي متعلق بطبيعة الغصب لا بخصوص هذا الفرد، والنسبة بين الطبيعتين عموم من وجه، فطلب الفعل والترك غير متعلق بأمر واحد في الحقيقة حتى يلزم التكليف بما لا يطاق، وإنما جمع المكلف بينهما في فرد واحد باختياره فهو ممتثل للتكليف الايجابي باعتبار أن هذا فرد الطبيعة المطلوبة، وامتثال الطبيعة إنما يحصل بالاتيان بفرد من أفرادها، وهو مستحق للعقاب أيضا باعتبار كون هذا الفرد فردا للطبيعة المنهية.
وقيل: هذا القول غير صحيح على أصول أصحابنا، لان تعلق التكليف بالطبيعة مسلم، لكن لا نزاع عندنا في أن الطبيعة المطلوبة يجب أن تكون حسنة ومصلحة راجحة متأكدة يصح للحكيم إرادتها، وقد ثبت ذلك في محله، وغير خاف أن الطبيعة لا تتصف بهذه الصفات، إلا من حيث التحصل الخارجي باعتبار أنحاء وجوداته الشخصية وحينئذ نقول: الفرد المحرم لا يخلو إما أن يكون حسنا ومصلحة متأكدة مرادة للشارع أم لا؟ وعلى الأول لا يصح النهي عنه، وعلى الثاني لم يكن القدر المشترك بينه وبين باقي الافراد مطلوبا للشارع، بل المطلوب الطبيعة المقيدة بقيد يختص به ما عدا ذلك الفرد، فلا يحصل الامتثال بذلك الفرد، لخروجه من أفراد المأمور به.