عوالي اللئالي - ابن أبي جمهور الأحسائي - ج ٣ - الصفحة ٥١٩
رجل من قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: احكم بيننا، فقال للأعرابي: ما تدعي على رسول الله؟ قال: سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه، فقال: ما تقول يا رسول الله؟ قال: قد أوفيته، فقال للأعرابي ما تقول:؟ قال: لم يوفني، فقال لرسول الله:
ألك بينة على انك قد أوفيته؟ قال: (لا) قال: للأعرابي أتحلف انك لم تستوف حقك وتأخذه؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لأحاكمن مع هذا إلى رجل يحكم بيننا بحكم الله عز وجل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله علي بن أبي طالب ومعه الاعرابي، فقال علي عليه السلام: (مالك يا رسول الله؟) قال: يا أبا الحسن احكم بيني وبين هذا الاعرابي، فقال علي عليه السلام: (يا أعرابي ما تدعى على رسول الله؟ قال:
سبعين درهما ثمن ناقة بعتها منه)، فقال: ما تقول يا رسول الله؟: (قال: قد أوفيته ثمنها)، فقال: يا أعرابي أصدق رسول الله صلى الله عليه وآله فيما قال؟ لا، ما وفاني شيئا، فاخرج علي عليه السلام سيفه فضرب عنقه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " لم فعلت يا علي ذلك؟! " فقال يا رسول الله نحن نصدقك على امر الله ونهيه وعلى امر الجنة والنار، والثواب والعقاب، ووحي الله عز وجل، ولا نصدقك في ثمن ناقة هذا الاعرابي، واني قتلته لأنه كذبك لما قلت له أصدق رسول الله فيما قال: فقال: (لا ما أوفاني شيئا) فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (أصبت يا علي، فلا تعد إلى مثلها، ثم التفت إلى القرشي وكان قد تبعه، فقال: هذا حكم الله لا ما حكمت به) (1) (2).

(١) الفقيه: ٣، أبواب القضايا والاحكام، باب ما يقبل من الدعاوى بغير بينة، حديث: 1.
(2) قال السيد المرتضى رحمه الله قد روت الشيعة الإمامية كلها ما هو موجود في كتبها ومشهور في رواياتها، ثم حكى هذا الحديث المشهور وعضده بأحاديث أخرى على منواله، ثم قال بعدها: فالذي يروى هذه الأخبار مستحسنا لها ومعولا عليها كيف يجوز منه الشك في أنه كان يذهب إلى أن الحاكم يحكم بعلمه لولا قلة التأمل من ابن الجنيد، قال الشيخ أبو العباس: هذا الرد من السيد والحط على ابن الجنيد بالمعارضة له بحكم علي عليه السلام وهو امام معصوم يدل على أن المانع يمنع منه أيضا، فكيف يدعى اتفاق الامامية كافة على أن الحاكم يحكم بعلمه، وموضع الخلاف غيره، لكنه أعلم بما قال: والذي يظهر لي من هذه العبارة ان احتجاج السيد المرتضى على ابن الجنيد بهذا الحديث وما شاكله، ليس مطابقا لموضع الخلاف. لان موضع الخلاف في أنه هل للحاكم أن يحكم بعلمه على الاطلاق، والسيد احتج على أن عليا عليه السلام حكم بعلمه، وذلك ليس محل الخلاف، فلعل المخالف إنما خالف في غير المعصوم، ولم يخالف في المعصوم، هكذا توجيه كلام الشيخ أبو العباس، وهو حسن، فان الظاهر أن الخلاف بينهم إنما هو في غير الامام. وقوله في الحديث: (ولا تعد إلى مثلها) دليل على أن الامام ليس له أن يحكم بعلمه في كل واقعة، لان الحكم بالعلم دائما لا تحتمله أكثر الخلق، لأنه حمل الناس على الباطن، والحمل على الباطن في جميع الجزئيات لا يحتمله العوام، بل ولا ينتظم عليه أمور المخالطات والمعاشرات التي هي ضرورية في الاجتماع المدني، فاعلم ذلك (معه).
(٥١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 514 515 516 517 518 519 520 521 522 523 524 ... » »»
الفهرست