شهواتهم لما قبحه في عقولهم ونفورهم عن الواجب عليهم فيكون التكليف عليهم بذلك شاقا والثواب المستحق عليهم عظيما متضاعفا وإنما يحسن أن يجعله شاقا تعريضا لهذه المنزلة . وثانيها أن يكون ذلك دعاء بالتثبيت لهم على الهداية وامدادهم بالألطاف التي معها يستمرون على الايمان فإن قيل وكيف يكون مزيغا لقلوبهم بان لا يفعل اللطف. قلنا من حيث المعلوم أنه متي قطع إمدادهم بألطافه وتوفيقاته زاغوا وانصرافوا عن الايمان ويجرى هذا مجرى قولهم اللهم لا تسلط علينا من لا يرحمنا معناه لا تخل بيننا وبين من لا يرحمنا فيتسلط علينا ومثله قول الفرزدق أتاني ورحلي بالمدينة وقعة * لآل تميم أقعدت كل قائم أراد قعد لها كل قائم فكأنهم قالوا لا تخل بيننا وبين نفوسنا وتمنعنا ألطافك فنزيغ ونضل. وثالثها ما أجاب به أبو علي الجبائي محمد بن علي لأنه قال المراد بالآية ربنا لا تزغ قلوبنا عن ثوابك ورحمتك ومعني هذا السؤال انهم سألوا الله تعالى أن يلطف لهم في فعل الايمان حتى يقيموا عليه ولا يتركوه في مستقبل عمرهم فيستحقوا بترك الايمان أن يزيغ قلوبهم عن الثواب وان يفعل تعالى بهم بدلا منه العقاب. قال فإن قال قائل فما هذا الثواب الذي هو في قلوب المؤمنين حتى زعمتم أنهم سألوا الله أن لا يزيغ قلوبهم عنه وأجاب بأن من الثواب الذي في قلوب المؤمنين ما ذكره الله تعالى من الشرح والسعة بقوله تعالى (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) وقوله تعالى للرسول عليه الصلاة والسلام (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك) وذكر أن ضد هذا الشرح هو الضيق والحزن اللذان يفعلان بالكفار عقوبة قال ومن ذلك أيضا التطهير الذي يفعله في قلوب المؤمنين وهو الذي منعه الكافرين فقال تعالى (أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم) قال ومن ذلك أيضا كتابته في قلوب المؤمنين كما قال تعالى (أولئك كتب في قلوبهم الايمان) وضد هذه الكتابة هي سمات الكفر التي في قلوب الكافرين فكأنهم سألوا الله تعالى أن لا يزيغ قلوبهم عن هذا الثواب لي ضده من العقاب. ورابعها أن تكون الآية محمولة على الدعاء بأن لا يزيغ القلوب
(١١٥)