المعاصي على الطاعات وانهم ما ركبوا المعاصي وآثروها على الطاعات إلا لاعتقادهم أن فيها خيرا ونفعا فقيل أذلك خير على ما تظنونه وتعتقدونه أم كذا وكذا وقد قال قوم في قوله تعالى (أذلك خير أم جنة الخلد) إنما حسن ذلك لاشتراك الحالين في باب المنزلة وان لم يشتركا في الخير والنفع كما قال تعالى (خير مستقرا وأحسن مقيلا) ومثل هذا يأتي في قوله تعالى (رب السجن أحب إلى) لأن الأمرين يعني المعصية ودخول السجن مشتركان في أن لكل منهما داعيا وعليه باعثا وان لم يشتركا في تناول المحبة فجعل اشتراكهما في داعى المحبة اشتراكا في المحبة نفسها وأجرى اللفظ على ذلك ومن قرأ هذه الآية بفتح السين فالتأويل أيضا ما ذكرناه لأن السجن المصدر فيحتمل أن يريد ان سجني لهم نفسي وصبري على حبسهم أحب إلى من مواقعة المعصية ولا يرجع بالسجن إلى فعلهم بل إلى فعله.. والوجه الثاني أن يكون معنى أحب إلى أي أهون عندي وأسهل على وهذا كما يقال لأحدنا في الأمرين يكرههما معا ان فعلت كذا وإلا فعل بك كذا وكذا فيقول بل كذا أحب إلى أي أهون عندي بمعنى أسهل وأخف وإن كان لا يريد واحدا منهما وعلى هذا الجواب لا يمتنع أن يكون إنما عنى فعلهم به دون فعله لأنه لم يخبر عن نفسه بالمحبة التي هي الإرادة وإنما وضع أحب موضع أخف والمعصية قد تكون أهون وأخف من أخرى.. وأما قوله تعالى (وإلا تصرف عنى كيدهن أصب إليهن) فليس المعنى فيه على ما ظنه السائل بل المراد متي لم تلطف لي بما يدعوني إلي مجانبة المعصية وثبتني إلى تركها ومفارقتها صبوت وهذا منه عليه السلام على سبيل الانقطاع إلى الله تعالى والتسليم لأموره وأنه لولا معونته ولطفه ما نجا من كيدهن ولا شبهة في أن النبي إنما يكون معصوما عن القبائح بعصمة الله تعالى ولطفه وتوفيقه.. فان قيل الظاهر خلاف ذلك لأنه قال (وإلا تصرف عنى كيدهن) فيجب أن يكون المراد ما يمنعهن من الكيد ويدفعه والذي ذكرتموه من انصرافه عن المعصية يقتضى ارتفاع الكيد والانصراف عنه.. قلنا معني الكلام وإلا تصرف عني ضرر كيدهن والغرض به لأنهن إنما أجرين بكيدهن إلى مساعدته لهن على المعصية فإذا عصم منها ولطف له في الانصراف عنها فكأن الكيد قد انصرف
(١٣٥)