الانسان) أتريدون بذلك ان الله تعالى خلق في الانسان العجلة وهذا لا يجوز لان العجلة فعل من أفعال الانسان فكيف يكون مخلوقة فيه لغيره ولو كان كذلك ما جاز أن ينهاهم عن الاستعجال في الآية فيقول (سأريكم آياتي فلا تستعجلون) لأنه لا ينهاهم عما خلقه فيهم.. فان قالوا لم يرد انه تعالى خلقها لكنه أراد كثرة فعل الانسان لها وانه لا يزال يستعملها.. قيل لهم هذا هو الجواب الذي قدمناه من غير حاجة إلى القلب والتقديم والتأخير وإذا كان هذا المعنى يتم وينتظم على ما ذكرناه من غير قلب فلا حاجة بنا إليه.. وقد ذكر أبو القاسم البلخي هذا الجواب في تفسيره واختاره وقواه وسأل نفسه عليه فقال كيف جاز أن يقول فلا تستعجلون وهو خلق العجلة فيهم وأجاب بأنه قد أعطاهم قدرة على مغالبة طبائعهم وكفها وقد يكون الانسان مطبوعا عليها وهو مع ذلك مأمور بالتثبت قادر على أن يجانب العجلة وذلك كخلقه في البشر لشهوة النكاح وأمرهم في كثير من الأوقات بالامتناع منه وهذا الذي ذكره البلخي تصريح بان المراد بالعجل غيره وهو الطبع الداعي إليه والشهوة المتناولة له ويجب أيضا أن يكون المراد بمن ههنا في لان شهوة العجل لا تكون مخلوقة من الانسان وإنما تكون مخلوقه فيه وهذا تجوز على تجوز وتوسع على توسع لان القلب أولا مجاز ثم هو من بعيد المجاز وذكر العجل والمراد به غيره مجاز آخر وإقامة من قام في كذلك على أنه تعالى إذا نهاهم عن العجلة بقوله عز وجل (فلا تستعجلون) أي معنى لتقديم قوله خلقت شهوة العجلة فيهم أو الطبع الداعي إليها فيهم على ما عبر به البلخي وهذا إلى أن يكون عذرا لهم أقرب منه إلى أن يكون حجة عليم وأيسر الأحوال أن لا يكون عذرا ولا احتجاجا فلا يكون لتقديمه معنى وفي الجواب الأول حسن تقديم ذلك على طريق الذم والتوبيخ والتقريع من غير إضافة إليه عز وجل والجواب الأول أوضح وأصح.. وثالثها جواب روى عن الحسن قال يعني بقوله من عجل أي من ضعف وهي النطفة المهينة الضعيفة وهذا قريب إن كان في اللغة شاهد على أن العجل عبارة عن الضعف أو معناه.. ورابعها ما حكى ان أبا الحسن الأخفش أجاب به وهو أن يكون المراد ان الانسان خلق من تعجيل الأمر لأنه تعالى قال (إنما أمرنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون)
(١١٧)