وقتلهم على وجه الاستخفاف والنكال ويضيف الله تعالى ذلك إليه من حيث وقع بأمره وعن أذنه.. فان قيل ما معنى قوله تعالى (يتكبرون في الأرض بغير الحق) كأن في التكبر ما يكون بالحق.. قلنا في هذا وجهان. أحدهما أن يكون ذلك على سبيل التأكيد والتغليظ والبيان على أن الكبر لا يكون إلا بغير الحق وان هذه صفة له لازمة غير مفارقة ويجري ذلك مجري قوله تعالى (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) وقوله تعالى (فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق) ولم يرد تعالى الا المعنى الذي ذكرناه ومثله قوله تعالى (ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا) ولم يرد النهي عن الثمن القليل دون الكثير بل أراد به تأكيد القول بان كل ثمن يؤخذ عنها يكون قليلا بالإضافة إليها ويكون المتعوض عنها مغبونا مبخوسا خاسر الصفقة. والوجه الآخر ان في التكبر ما يكون ممدوحا بان من تكبر وتنزه عن الفواحش والدنايا وتباعد عن فعلها وتجنب أهلها يكون مستحقا للمدح سالكا لطريق الحق والتكبر المذموم هو الواقع على وجه النخوة والبغي والاستطالة على ذوي الضعف والفخر عليهم والمباهاة لهم ومن كان بهذه الصفة فهو مجانب للتواضع الذي ندب الله إليه وأرشد إلى الثواب المستحق عليه ويستحق بذلك الذم والمقت ولهذا شرط تعالى أن يكون التكبر بغير الحق في قوله تعالى في هذه السورة (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق) يحتمل أيضا هذين الوجهين الذين ذكرناهما فان أريد به البغي المكروه الذي هو الظلم وما أشبهه كان قوله بغير الحق تأكيدا واخبارا عن انه بهذه صفته وان أريد بالبغي الطلب وذلك أصل في اللغة كان الشرط في موضعه لان الطلب قد يكون بالحق وبغير الحق.. فان قيل فما معنى قوله تعالى (وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا) وهل الرؤية ههنا العلم والإدراك بالبصر وهب أنها يمكن أن تكون في قوله تعالى (وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها) محمولة على رؤية البصر لان الآيات والأدلة مما تشاهد كيف تحمل الرؤية الثانية على العلم وسبيل الرشد إنما هي طريقة ولا يصح أن يرجع بها إلى المذاهب والاعتقادات التي لا يجوز عليها رؤية البصر فلابد إذا من أن يكون المراد به رؤية العلم ومن علم طريق الرشد
(٢٢٩)