والقدح فيها بما يخرجها عن أن تكون أدلة وحججا فيكون تقدير الكلام إني بما أؤيد من حججي وأحكمه من آياتي وبيناتي صارف للمكذبين المبطلين عن القدح في الآيات والدلالات ومانع لهم مما كانوا لولا هذا الإحكام والتأييد يعترضونه ويغتنمونه من تمويههم الحق ولبسه بالباطل ويجرى هذا مجرى قول أحدنا قد منع فلان أعداءه بأفعاله الكريمة وطرائقه الممدوحة وأخلاقه المهذبة وصرفهم عن ذمة وأخرس ألسنتهم عن الطعن عليه وإنما يريد المعنى الذي ذكرناه.. فان قيل أليس في المبطلين من طعن على آيات الله تعالى وأورد الشبهة فيها مع ذلك.. قلنا لم يرد الله تعالى الصرف عن الطعن الذي لا يؤثر ولا يشتبه على من أحسن النظر وإنما أراد ما قدمناه وقد يكون الشئ في نفسه مطعونا عليه وان لم يطعن عليه طاعن كما قد يكون بريا من الطعن وان طعن فيه بما لم يؤثر فيه ألا ترى ان قولهم فلان قد أخرس أعداءه من ذمه ليس يراد به انه منعهم عن التلفظ بالذم وإنما المعنى انه لم يجعل للذم عليه طريقا ومجالا ويجب على هذا الوجه أن يكون قوله تعالى ذلك بأنهم كذبوا يرجع إلى ما قبله بلا فصل ولا يرجع إلى قوله سأصرف.. وتاسعها ان الله تعالى لما وعد موسى عليه السلام وأمته إهلاك عدوهم قال (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق) وأراد عز وجل أن يهلكهم ويصطلمهم ويجتاحهم على طريق العقوبة لهم بما كان منهم من التكذيب بآيات الله تعالى والرد لحججه والمروق عن طاعته وبشر من وعده بهذه الحال من المؤمنين بالوفاء بها وهو تعالى إذا أهلك هؤلاء الجبارين المتكبرين واصطلمهم فقد صرفه عن آياته من حيث اقتطعهم عن مشاهدتها والنظر فيها بانقطاع التكليف عنهم وخروجهم عن صفات أهله وهذا الوجه يمكن أن يقال فيه ان العقوبة لا تكون إلا مضادة للاستخفاف والإهانة كما أن الثواب لابد أن يكون مقترنا بالتبجيل والتعظيم وإماتة الله تعالى للأمم وما يفعله من بوار واهلاك لا يقرن إليه ما لابد أن يكون مقترنا إلى العقاب من الاستخفاف ولا يخالف ما يفعله تعالى بأوليائه على سبيل الامتحان والاختبار فكيف يصح ما ذكرتموه ويمكن أن يجاب عن ذلك بان يقال لا يمتنع أن يضم الله إلى ما يفعله بهؤلاء الكفار المتجبرين من الاهلاك اللعن والذم والاستخفاف ويأمرنا باهلاكهم
(٢٢٨)