ثبوت الرؤية له في وقت من الأوقات نقص وذم.. قال لهم مخالفوهم كيف يتمدح بأنه لا يرى وقد شاركه في نفي الرؤية ما ليس بممدح كالمعدومات والإرادات والاعتقادات فقالوا لهم لم يتمدح تعالى بنفي الرؤية فقط وإنما تمدح بنفي الرؤية عنه واثباتها له فتمدحه بمجموع الامرين وليس يشاركه في هاتين الصفتين مشارك لان الموجودات المحدثات أصناف.. منها مالا يرى ولا يرى كالإرادات والاعتقادات.. ومنها ما يرى ولا يرى كالألوان.. ومنها ما يرى ويرى كالانسان وضروب الاحياء وليس فيها ما يري ولا يري فثبت المدح لله تعالى بمتضمن الآية.. فقال لهم المخالفون وكيف يجوز أن تكون صفة لا تقتضي المدحة بانفرادها ثم تصير تقتضيها مع غيرها ولئن جاز هذا ليجوزن أن يتمدح متمدح بأنه شئ عالم أو موجود قادر فإذا كان لا مدحة في وصف الذات بأنها شئ وموجود وان انضمت إلي صفة مدح من حيث كانت بانفرادها لا تقتضي مدحا فكذلك لا مدحة في نفي الرؤية عما تثبت له من حيث كانت بانفرادها لا تقتضي مدحا. فأجاب أصحابنا عن هذا الكلام بان قالوا ليس يمتنع في الصفة أن تكون لا تقتضي مدحا إذا انفردت وتقتضيه إذا انضمت إلى غيرها ومثلوا ذلك بقوله تعالى لا تأخذه سنة ولا نوم فان نفي السنة والنوم ههنا إنما يكون مدحا إذا انتفى عمن هو بصفة الاحياء وإن كان بانفراده لا يقتضي مدحا لمشاركته ذوات كثيرة غير ممدوحة فيه وفصلوا بين الوصف بالنفي والوجود وبين ما ذكروا بالشئ من حيث لا تأثير لهاتين الصفتين في المدح.. واعلم أن صفات المدح المتضمنة للاثبات ما تكاد تفتقر إلي شرط وفي كونها مدحا.. وصفات النفي إذا كانت مدحا فلابد فيها من شرط وإنما افترق الأمران من حيث كان النفي أعم من الاثبات فيدخل تحته الممدوح وغير الممدوح والاثبات أشد اختصاصا ألا ترى ان ما ليس بعالم من الذوات وليس بموجود أكثر مما ثبت له العلم والوجود منها لان الأول لا يكون الاغير متناه والثاني لابد أن يكون متناهيا فلما اشتملت صفات النفي الممدوح وغير الممدوح احتاجت إلى شرط يخصها وأنت إذا اعتبرت سائر صفات النفي التي يتمدح بها وجدتها مفتقرة إلى الشروط ألا ترى ان من ليس بجاهل إنما يكون ممدوحا بهذا النفي إذا كان حيا ذاكرا لأنه قد يكون الحي لا عالما ولا جاهلا لسهو يلحقه وذهول
(١٧)