ينبغي أن لا يستمر عليه بل يزيله بالرضى عن المغضوب إذ لو استمر عليه اشتد غضبه آنا فآنا شيئا فشيئا وصدر منه قبايح متكثرة بعضها فوق بعض، وهكذا حتى يدخل النار، واعلم أن علاج الغضب أمران: علمي وفعلي أما العلمي فبأن يتفكر في الآيات والروايات التي وردت في ذم الغضب ومدح العفو والحلم الذي هو ضده ويتفكر في توقعه عفو الله عن ذنبه ورفع غضبه عنه، وكذلك كل صفة ذميمة تعالج بمثل ذلك، وبالصبر على تحمل ضدها حتى يصير بالتكلف ملكة.
مثلا علاج التكبر التواضع والصبر عليه وعلاج البخل إعطاء المال بالتكلف حتى يصير صفة راسخة، وعلى هذا القياس، وأما الفعلي فأمران أشار إلى الأولى بقوله (فأيما رجل) «ما» زائدة (غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك) الضمير إما للرجل أو للغضب، وهو من: فار الماء فورا نبع وجرى، أو من: فارت القدر فورا، وفي المصباح: قولهم الشفعة على الفور من هذا أي على الوقت الحاضر الذي لا تأخير فيه. ثم استعمل في الحالة التي لابطء فيها. يقال جاء فلان في حاجته ثم رجع من فوره أي حركته التي وصل فيها ولم يسكن بعدها وحقيقته أن يصل ما بعد المجيء بما قبله من غير لبث.
(فإنه سيذهب عنه رجز الشيطان) الرجز: العذاب والخبث والرجس المنتن، والمراد به هنا نزغات الشيطان ووساوسه فإن الخبيث ينفخ في الإنسان الكبر والعجب والغضب، والأولان يوجبان تغيره بأدنى شيء لا يلايم طبعه، والثالث ينتهض للانتقام فيحركه إلى مالا يليق بذوي العقول.
وما ذكره (عليه السلام) من ذهاب رجز الشيطان ووساوسه وصولته بالجلوس عند ظهور الغضب مجرب كما أن من جلس عند حملة الحلب وجده ساكنا لا يحوم حوله، وفيه سر لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، وربما يقال السر فيه هو الإشعار بأنه من التراب، وعبد ذليل لا يليق به الغضب، أو التوسل بسكون الأرض وثبوتها، وألحق بعض الأفاضل الاضطجاع والقيام إذا كان جالسا، والوضوء بالماء البارد وشربه بالجلوس في ذهاب الرجز.
وأشار إلى الثاني بقوله: (وأيما رجل غضب على ذي رحم) وإن بعد (فليدن منه فليمسه فإن الرحم إذا مست سكنت) هذا إذا مسه لأجل كسر سورة الغضب وصح قصده لا لأجل إمضائه فإن المس على هذا الوجه لا يكسره، ولذلك قد يأخذه ويضربه أو يقتله مع تحقق المس هنا، والظاهر أن مس المغضوب للغضوب أيضا يدفع الغضب كما دل عليه بعض الروايات.
3 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن داود بن فرقد قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): الغضب مفتاح كل شر.