فإنما يقبض عنهم يدا واحدة ويقبض عنه منهم أيدي كثيرة، ومن يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودة، ومن بسط يده بالمعروف إذا وجده يخلف الله له ما أنفق في دنياه ويضاعف له في آخرته، ولسان الصدق للمرء يجعله الله في الناس خيرا من المال يأكله ويورثه، لا يزدادن أحدكم كبرا وعظما في نفسه ونأيا عن عشيرته، إن كان موسرا في المال، ولا يزدادن أحدكم في أخيه زهدا ولا منه بعدا، إذا لم ير منه مروة وكان معوزا في المال ولا يغفل أحدكم عن القرابة بها الخصاصة أن يسدها بما لا ينفعه إن أمسكه ولا يضره إن استهلكه.
* الشرح:
قوله (لن يرغب المرء عن عشيرته وإن كان ذا مال وولد) المراد به النهي المؤبد والمنع المؤكد يعني لا يعرض المرء عن عشيرته وعونهم باليد واللسان وإن كان ذا مال وولد، فإنه محتاج إلى العشيرة من جهات شتى، وماله وولده لا يغنيانه عنهم فكيف إذا لم يكن له مال وولد فإن احتياجه إليهم حينئذ أشد وأكمل، وفيه ترغيب في صلة العشيرة على كل حال. (وعن مودتهم وكرامتهم) الإضافة إلى الفاعل أو المفعول والأول أنسب بقوله: (ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم) لأن الإضافة فيها إلى الفاعل (هم أشد الناس حيطة) أي حفظا ورعاية له (من ورائه) أي في غيبته (وأعطفهم عليه) في الغيبة والحضور (وألمهم لشعثه) الشعث محركة: انتشار الأمور وتفرقها واللم الإصلاح، تقول: لممت شعثه لما من باب قتل إذا أصلحت من حاله ما تشعث وتفرق (إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الأمور) قيده بهذه الشرط لأن الاحتياج إليهم حينئذ أظهر، ويناسب هذا ما روى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «وأكرم عشيرتك فإنهم جناحك الذي به تطير وأصلك الذي إليه تصير ويدك التي بها تصول» أمر باكرامهم ورغبه فيه بذكر المنافع الدنيوية وهي أنه يتقوى بهم حيث إنهم يصيرون أعوانا له وبهم يتحقق كماله وقوته (ومن يقبض يده عن عشيرته فإنما يقبض عنهم يدا واحدة ويقبض عنه منهم أيدي كثيرة) لأنهم يهجرونه ولا يعاونونه فيما ينزل به من مصائب الدنيا ونوايب الدهر وغلبة الأعادي وقد مر شرحه مفصلا في آخر باب المداراة.
(ومن يلن حاشيته يعرف صديقه منه المودة) يعني لين الجانب وحسن الصحبة مع العشيرة وغيرهم موجب لمعرفتهم المودة منه ومن البين أن ذلك موجب لمودتهم له فلين الجانب مظهر للمودة من الجانبين وبها يتم النظام في الدارين.
(ومن بسط يده بالمعروف) تخصيصه بالمندوب محتمل وتعميمه أولى (إذا وجده يخلف الله له ما أنفق في دنياه) سواء أنفق على ذوي الأرحام أو على غيرهم (ويضاعف له في آخرته) حتى أن الرجل ليتصدق بالتمرة أو بشق التمرة فيربيها الله تعالى فيلقاها يوم القيامة وهو مثل أحد أو