من مؤاساة صاحبهم فشكوه وشكاهم، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): وصل امرؤ عشيرته، فإنهم أولى ببره وذات يده ووصلت العشيرة أخاها إن عثر به دهر وأدبرت عنه دنيا فإن المتواصلين المتباذلين مأجورون، وإن المتقاطعين المتدابرين موزورون، [قال] ثم بعث راحلته وقال: حل.
* الشرح:
قوله (نزل بالربذة) الربذة بالتحريك قرية معروفة قرب المدينة بها قبر أبي ذر الغفاري (فأتاه رجل من محارب) هي قبيلة (إني تحملت في قومي حمالة) هي بالفتح: ما يتحمله الإنسان عن غيره من دية أو غرامة مثل أن يقع حرب بين الفريقين سفك فيها الدماء فيدخل بينهم رجل فيتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين.
(وإني سألت في طوائف منهم المواساة والمعونة) في أداء الحمالة ويحتمل الأعم (فسبقت إلي ألسنتهم بالنكد) أي بالشدة والغلظة والعسر (قال فنص راحلته) أي استحثها واستخرج أقصى ما عندها من السير، وأصل النص بالصاد المهملة أقصى الشيء وغايته ثم سمى به ضرب من السير سريع (فأدلفت كأنها ظليم) الظليم: ذكر النعام، وأدلفت من باب الافتعال أو التفعل، والأخير أشهر من الدليف وهو المشي مع تقارب الخطو والإسراع وكأنه الوخدان، قال الثعالبي في سر الأدب:
الوخدان: نوع من سير الإبل وهو أن ترمي بقوائمها كمشي النعام.
(فدلف بعض أصحابه في طلبها) أي في طلب راحلته وأثرها، وفي بعض النسخ: فأدلف (فلأيا بلأي ما لحقت) اللأي كالسعى: الجهد والمشقة، أي فجهد جهدا بعد جهد ومشقة بعد مشقة ما لحقت الراحلة (وصل امرؤ عشيرته فإنهم أولى ببره وذات يده) الأظهر أنه خبر بمعنى الأمر وكذا ما عطف عليه أي: وليصل امرؤ عشيرته وقومه فإنهم أولى ببره أي بإفاضة خيره عليهم وإحسانه إليهم وإعطاء ما في يده إياهم، وكذا العكس إن احتاج إلى إحسانهم.
(ثم بعث راحلته وقال حل) حل بفتح الحاء المهملة وسكون اللام زجر للناقة إذا حثها للسير، قال ابن عباس: إن حل لتوطئ الناس وتؤذى وتشغل عن ذكر الله تعالى يعني أن كلمة حل وزجرك بها ناقتك عند الإفاضة من عرفات توطئ الناس وتؤذيهم وتشغل قلبك عن ذكر الله فسر على هينك.
19 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن يحيى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): لن يرغب المرء عن عشيرته وإن كان ذا مال وولد وعن مودتهم وكرامتهم ودفاعهم بأيديهم وألسنتهم، هم أشد الناس حيطة من ورائه وأعطفهم عليه وألمهم لشعثه، إن أصابته مصيبة أو نزل به بعض مكاره الامور، ومن يقبض يده عن عشيرته