فإن القصد منها التصريح الذي يؤمن معه الاختلاط والالتباس. ويكون الشاهد منه على بصيرة. ولو أخذنا في استقصاء أبواب العقود لضاق الوقت عن ذكر الواقع، واتسع الخرق على الراقع.
وأما بيان معرفة ما يحتاج إليه موقع الحكم - وهو الذي يسجل على الحاكم إثباتاته وأحكامه، حتى عرف بها، وصار مقصودا بسببها من بين العدول لمعرفته باصطلاحها وشروطها -: فقد سبق في مقدمة هذا التأليف ما يتعلق بذات موقع الحكم، وما يشترط فيه من حسن السيرة والنزاهة، والعفة والديانة والصيانة، والمروءة وبروز العدالة. وما ينبغي له فعله من الأمور اللائقة به وبأمثاله.
والكلام الآن في هذا المحل على تصحيح أهليته، قبل الكلام على بيان ما يكتبه.
فإنه من كالشرط من المشروط، أو كالركن من الماهية الذي لا قيام لها بدونه، ويتوقف وجودها على وجوده. فأقول:
يشترط في كاتب الحكم أن يكون حرا بالغا عاقلا، غير أصم ولا أعمى، ولا به آفة من الآفات، عدلا عفيفا. ضابطا لما يقع في المجلس، شريف النفس، طاهر العرض والذيل، كثير الحياء، قليل الطمع، غاض الطرف، خبيرا بما يطلب منه من تحمل شهادة، وما يوافق من ذلك ظاهر الشرع، عليه الوقار والسكينة، ثقيل الرأس، قليل الكلام، سريع الادراك، عالما بالشروط. واصطلاح الحكام. عنده طرف من النحو، بحيث تكون كتابته مصانة عن التحريف والتصحيف واللحن الفاحش، واقفا عندما يشهده القاضي عليه من غير أن يزيد من عنده عبارة يكون فيها إجمال، أو يظهر ما فيه إجمال مما وقع به القاضي، بل يقتصر على ذلك التوقيع الذي وقع به بعبارته، إن كان على طريقة الشاميين. وإن كتب على طريقة المصريين، إذا كان توقيع الحاكم له ليسجل خاصة فينزل الاثبات والحكم على موضعه السائغ في مذهب ذلك الحاكم. وإن كان فيه شئ لا يسوغ في مذهبه ولا يندرج تحت الحكم. صرح في إسجاله بثبوت ما قامت به البينة عنده فيه من كذا وكذا. ويسكت عن ذكر ما لا يندرج تحت الحكم. فإن الموقع في الحكم عليه في طريقة المصريين بدار القاضي في بيان صفة حكمه. وأن يكون موقع الحكم صاحب يقظة، بحيث إن القاضي إذا سها عن شئ ينبهه عليه بينه وبينه، من غير إظهار ذلك السهو لاحد ممن يكون حاضر المجلس. وإن نبهه عليه بعد قيامه من المجلس سرا كان أولى.