ولا يركن في حال الأيتام إلا إلى من اختبره المرة بعد المرة، وعلم أن عفته لا تسامحه في التماس الذرة. والأوقاف فليجر أمورها على النظام المتتابع، ولا يتعدى بها شروط واقفيها. فإن نص الواقف مثل نص الشارع، وليعقد أنكحة الابكار والأيامى. وليزوجهن من أكفائهن شرعا، ويمنع من تلبسهن من الفضل درعا. ومال المحجور عليه يودعه حرزا يحفظ فيه. ومال الغائب كذلك، والمجنون والسفيه. ووقائع بيت المال فلتكن مضبوطة النظام، محفوظة الزمام، ومقطوعة الجدل والخصام. وليحذر أن يولى في ذلك - أو في شئ منه - من يراه في الصورة الظاهرة فقيها. فيكون هو الذي إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها. فهو المطلوب عند الله بجنايتهم، والمحاسب على ما اجترحوه في ولايتهم، بل يتحرى في أمورهم، ويراعي أحوالهم في غيبتهم وحضورهم، لا سيما العدول. فلا يهمل لهم أمر، وينظر في شهادتهم بذكاء إياس وفطنة عمرو. وقاضي الشريعة أدرى بما الامر إليه في هذا المعنى ومثله يؤول، وهم المخاطبون بقوله: كلكم راع وكل راع عن رعيته مسؤول والوصايا كثيرة. وهو بحمد الله غني عنها، عارف بجميع آداب قضاة السلف، وهو خير خلف منها. والله تعالى يعصمه من الخطأ والخطل والزيغ والزلل، في القول والعمل، بمنه وكرمه. ويؤرخ. ويكمل على نحو ما سبق.
وإن شاء كتب هذه الوصية بعد تمام التفويض. وبعد قوله: فليباشر ذلك:
عاملا فيه بتقوى الله عز وجل في قوله وفعله، وعقده وحله، وأن يفصل الأحكام الشرعية بين المترافعين إليه بحكم الشريعة المطهرة، ماشيا في ذلك على الطريق المألوفة والقوانين المعتبرة. وليساو في الحق بين الخصوم، وينتصف من الظالم للمظلوم، وأن يتولى عقود الأنكحة من الابكار والأيامى، وينظر في أموال الغياب واليتامى، ويجعل أموال الأيتام في يد عدل يوثق بعدالته. ويعتمد على نهضته وأمانته وكفايته، وأن يعتبر أحوال الشهود، ويجريهم على العوائد المستقرة والسنن المعهود، ولا يقبل منهم إلا من يرتضيه، ممن جمعت شروط المروءة والعدالة فيه. ويعتبر أحوال الوصايا ويأمرهم باتباع الحق في تحرير حسابهم، وينظر في أمر الأوقاف التي نظرها للحاكم، ويعمل فيها بشروط واقفيها، ويسلك فيها مناهج الصواب ويقتفيها. ويقدر الفروض الحكمية