حين وسد الامر إلى أهله. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. شهادة مقرونة بالاخلاص في حب محمد، ضامنة لقائلها حسن العاقبة. فما ذهب له وقت إلا وعاد، والعود أحمد. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي سل سيف الشريعة المطهرة.
فأنفذ الله حكمه وأمضاه، وأقام بينة شرفه على المرسلين والأنبياء. فما منهم إلا من أجاز ذلك وارتضاه. وألزم نفسه وأمته العمل بمقتضاه. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين نفذوا ما ثبت عنده، وأوصلوه بأئمة الاسلام من أمته. صلاة ترشد من أعرب بأدائها عن السؤال أن يلحن بحجته وتدوم، ما فرج العلماء مضايق الجدال في الدروس، وقبلت ثغور الأقلام وجنات الطروس، وسجدت خلف الإمام أحمد في محراب تقليد على الرؤوس. وسلم تسليما كثيرا.
وبعد، فإن منصب الحكم العزيز محجة الحق التي لا ترى فيها عوجا ولا أمتا، وحجة الصدق التي بها يتفرق أهواء الذين تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، وبهديه يهتدي المهتدون إلى سلوك أرشد الطريقين. ويعتصم بسببه القوي من مال إلى موافقة أسعد الفريقين. وهو إذا فوض إلى ذي أمانة وديانة وأسند إلى ذي عفة وصيانة، أجرى قضاياه على نهج السداد والاستقامة، وسلك فيها مسلكا ما ظهرت فيه لغيره علامة علامة. فأعز به الله أحكامه.
وكان فلان ضاعف الله نعمته، وأدام رفعته، وبلغه من خيري الدارين أمنيته: هو الذي نفح عطر معرفته وفاح، ووضحت دلائل كفايته غاية الايضاح، وقامت البينات لدعاوى أولويته بهذا المنصب العزيز، وأعربت في هذا النحو عن وصف فضله المفرد جمل الكلام. فلا غرو إن انتصب في الحال على التمييز، لأنه العالم الذي أصبح في عالم الوجود ندرة. وأرشد في طريق السنة الشهباء إلى توليد النصرة. وهو الألمعي الذي كأن أفكاره مشتملة على مسامع وأبصار، واللوذعي الذي تتطفل على شمس ذكاه مشارق الأنوار. وهو العلامة الذي إذا تفرقت أهواء المتكلمين جمع أشتات الفضائل بعبارته المعربة عن التحبير والتحرير على القواعد. والبارع الذي له في كل علم مقدمة تنتج إذا سكت الواصفون فوائد، وهو الخطيب الذي إذا تسنم ذروة منبر جاء بما يذكر فصل الخطاب في الخطب، وأتى من العجب العجاب بما يسحر الألباب إذا قال أو كتب، والمنشئ الذي ليس لحمائم درج الأدب في رياض الطروس تغريد إلا بسجعه، ولا لقلم التوقيعات غبار في عوارض ريحان الرقاع إلا ونسخها المحقق من كمال وضعه. كم هبت نسمات سماته الطاهرة، فترنم الناس بحسن إيقاعها في الصعيد والحجاز؟ وكم ريح بريح