المرتهن حتى لو هلك الرهن في يده كان الهلاك على المرتهن لان نفس القبض مما يحتمل النيابة ولان قبض الرهن قبض استيفاء الدين واستيفاء الدين مما يحتمل النيابة وأما الذي يرجع إلى نفس القبض فهو ان المرهون إذا كان مقبوضا عند العقد فهل ينوب ذلك عن قبض الرهن فالأصل فيه ما ذكرنا في كتاب البيوع والهبة ان القبضين إذا تجانسا ناب أحدهما عن الآخر وإذا اختلفا ناب الاعلى عن الأدنى وقد بينا فقه هذا الأصل وفروعه فيما تقدم وان شئت عددت الحيازة والفراغ والتمييز من شرائط نفس العقد فقلت ومن شرائط صحة العقد أن يكون المرهون محوزا عندنا وبنيت المشاع عليه وان شئت قلت ومنها دوام القبض عندنا وعند الشافعي رحمه الله ليس بشرط وبنيت عليه المشاع (ولنا) في اثبات هذا الشرط دليلان أحدهما قوله تعالى فرهان مقبوضة أخبر الله سبحانه وتعالى ان المرهون مقبوض فيقتضى كونه مقبوضا ما دام مرهونا لان اخباره سبحانه وتعالى لا يحتمل الحلف والشيوع يمنع دوام القبض فيمنع صحة الرهن والثاني ان الله تبارك وتعالى سماه رهنا وكذا يسمى رهنا في متعارف اللغة والشرع والرهن حبس في اللغة قال الله تبارك وتعالى كل نفس بما كسبت رهينة أي حبيسة بكسبها فيقتضى أن يكون محبوسا ما دام مرهونا والشياع يمنع دوام الحبس فيمنع جواز الرهن وسواء كان فيما يحتمل القسمة أو فيما لا يحتملها لان الشيوع يمنع إدامة القبض فيهما جميعا وسواء كان الشيوع مقارنا أو طارئا في ظاهر الرواية لان كل ذلك يمنع دوام القبض وسواء كان الرهن من أجنبي أو من شريكه لأنه لو جاز لا مسكه الشريك يوما بحكم الملك ويوما بحكم الرهن فتختلف جهة القبض والحبس فلا يدوم القبض والحبس من حيث المعنى ويصير كأنه رهنه يوما ويوما لا وذا لا يجوز وعلى ها أيضا يخرج رهن ما هو متصل بعين ليس بمرهون لان اتصاله بعين المرهون يمنع من إدامة القبض عليه وانه شرط جواز الرهن ومنها أن يكون فارغا ما ليس بمرهون ومنها أن يكون منفصلا مميزا عما ليس بمرهون وخرجت على كل واحد منهما مسائله التي ذكرنا فافهم (أما) الذي يرجع إلى المرهون به فأنواع منها أن يكون مضمونا والكلام في هذا الشرط يقع في موضعين أحدهما في أصل اشتراط الضمان والثاني في صفة المضمون أما الأول فاصل الضمان هو كون المرهون به مضمونا شرط جواز الرهن لان المرهون عندنا مضمون بمعنى سقوط الواجب عند هلاكه أو بمعنى استيفاء الواجب ولسنا نعنى بالمضمون سوى أن يكون واجب التسليم على الراهن المضمون نوعان دين وعين أما الدين فيجوز الرهن به باي سبب وجب من الاتلاف الغصب والبيع ونحوها لان الديون كلها واجبة على اختلاف أسباب وجوبها فكان الرهن بها رهنا بمضمون فيصح وسواء كان مما يحتمل الاستبدال قبل القبض أو لا يحتلمه كرأس مال السلم وبدل الصرف والمسلم فيه وهذا عند أصحابنا الثلاثة وقال زفر لا يجوز الرهن بهذه الديون وجه قوله إن سقوط الدين عند هلاك الرهن بطريق الاستبدال على معنى ان عين الدين تصير بدلا عن الدين لا بطريق الاستيفاء لان الاستيفاء لا يتحقق الا عند المجانسة والرهن مع الدين يكونان مختلفي الجنس عادة فلا يكون القول بالسقوط بطريق الاستيفاء فتعين أن يكون بطريق الاستبدال فيختص جواز الرهن بما يحتمل الاستبدال وهذه الديون كما لا يجوز استبدالها فلا يجوز الرهن بها (ولنا) ان السقوط بطريق الاستيفاء لما نذكر في حكم الرن إن شاء الله تعالى واستيفاء هذه الديون ممكن وأما قوله الاستيفاء يستدعى المجانسة قلنا المجانسة قلنا ثابتة من وجه لان الاستيفاء يقع بمالية الرهن لا بصورته والأموال كلها فيما يرجع إلى معنى المالية جنس واحد وقد يسقط اعتبار المجانسة من حيث الصورة ويكتفى بمطلق المالية للحاجة والضرورة كما في اتلاف مالا مثل له من جنسه وقد تحققت الضرورة في باب الرهن لحاجة الناس إلى توثيق ديونهم من جانب الاستيفاء فأمكن القول بالاستيفاء إذا جاز الرهن بهذه الديون فان هلك الرهن في المجلس ثم الصرف والسلم لأنه صار مستوفيا عين حقه في المجلس لا مستبدلا وان لم يملك حتى افترقا بطلا لفوات شرط البقاء على الصحة وهو القبض في المجلس وأما العين فنقول لا خلاف في أنه لا يجوز الرهن بالعين التي هي أمانة في يد الراهن كالوديعة والعارية ومال المضاربة والبضاعة والشركة والمستأجر ونحوها فإنها ليست بمضمونة أصلا
(١٤٢)