الثاني جائزة كما إذا كفل بما يذوب له على فلان ونحو ذلك لان الارتهان استيفاء من وجه للحال ولا شئ للحال يستوفى واستيفاء المعدوم محال بخلاف الكفالة ولان الرهن والارتهان لما كان من باب الايفاء واستيفاء أشبه البيع فلا يحتمل الإضافة إلى المستقبل كالبيع ولان القياس يأبى جواز هما جميعا لان كل واحد منهما يستدعى مضمونا الا أن الجواز في الكفالة لتعامل الناس ولا تعامل في الرهن فيبقى الامر فيه على أصل القياس وبخلاف ما إذا دفع إلى إنسان رهنا ليقرضه ان الرهن يكون مضمونا وإن كان ذلك رهنا بما ليس بمضمون في الحال لان له حكم المضمون وان لم يكن مضمونا حقيقة لوجود القبض على جهة الضمان والمقبوض على جهة شئ بمنزلة المقبوض على حقيقة كالمقبوض على سوم الشراء ولم يوجد هنا ولو قال لاخر ضمنت لك مالك على فلان إذا حل يجوز أخذ الكفيل والرهن به ولو قال إذا قدم فلان فانا ضامن مالك عليه لم يجز أخذ الرهن به ويجوز أخذ الكفيل والفرق ان في المسألة الأولى الكفالة والرهن كل واحد منهما أضيف إلى مضمون في الحال لان الدين المؤجل واجب قبل حلول الأجل على طريق التوسع وإنما تأثير التأجيل في تأخير المطالبة بخلاف الرهن بضمان الدرك لأنه لا مضمون هنالك للحال ولا ماله حكم المضمون بخلاف ما إذا قال إذا قدم فلان فانا ضامن مالك عليه لان ذلك تعليق الضمان بقدوم فلان فكان عدما قبل وجود الشرط فلم توجد الإضافة إلى مضمون للحال فبطل الرهن وصحت الكفالة لأنها لا تستدعى مضمونا في الحال بل في الجملة على ما مر وأما المختلف فيه فهو ان الشرط كونه مضمونا ظاهرا وباطنا أو كونه مضمونا من حيث الظاهر يكفي لجواز الرهن ذكر محمد في الجامع ما يدل على أن كونه مضمونا في الظاهر كاف ولا يشترط كونه مضمونا حقيقة فإنه قال إذا ادعى على رجل ألفا وهي قرض عليه فجحدها المدعى عليه ثم إنه صالح المدعى من ذلك على خمسمائة وأعطاه بها رهنا يساوى خمسمائة ثم تصادقا على أن ذلك المال كان باطلا وانه لم يكن للمدعى عليه شئ ثم هلك الرهن في يده كان على المرتهن أن يرد على الراهن خمسمائة لان الدين كان ثابتا على الراهن من حيث الظاهر ألا ترى أنهما لو اختصما إلى القاضي قبل أن يتصادقا ان القاضي يجبر المدعى عليه على ايفاء الخمسمائة فكان فهذا رهنا بما هو مضمون ظاهرا فيصح يدل عليه أن الرهن بجهة الضمان جائز على ما ذكرنا فلان يجوز بالضمان الثابت من حيث الظاهر أولى وروى عن أبي يوسف انه لا يضمن شيئا لأنها لما تصدقا على أنه لم يكن عليه شئ تبين ان الرهن حصل بما ليس بمضمون أصلا فلم يصح وكذا ذكر في الجامع إذا اشترى من رجل عبدا بألف درهم وقبض العبد وأعطاه بالألف رهنا يساوى ألفا فهلك الرهن عند المرتهن ثم قامت البينة على أن العبد حر أو استحق العبد من يده يهلك مضمونا لان الألف كانت مضمونة على الراهن ظاهرا فقد حصل الارتهان بدين مضمون عليه من حيث الظاهر فجاز وكذا لو اشترى شاة مذبوحة بعشرة دراهم أو اشترى دنا من خل وأعطاه بالثمن رهنا فهلك الرهن ثم علم أن الشاة ميتة والخل خمر فالرهن مضمون لما قلنا وكذا لو قتل عبد انسان خطأ وأعطاه بقيمته رهنا ثم علم أن العبد حر كان المرهون مضمونا بالأقل من قيمته ومن قيمة العبد لما ذكرنا وعلى قياس ما روى عن أبي يوسف ينبغي أن لا يضمن في هذه المسائل أيضا لأنه تبين ان الارتهان حصل بما ليس بمضمون حقيقة فلم يصح ولو ادعى المستودع أو المضارب هلاك الوديعة أو المضاربة وادعى رب المال عليهما الاستهلاك وتصالحا على مال وأخذ رب المال بالمال رهنا من المستودع فهلك عنده ثم تصادقا على أن الوديعة هلكت عنده يضمن المرتهن عند محمد وعند أبي يوسف لا يضمن وهذا الاختلاف بناء على اختلافهم في صحة الصلح فعند محمد لما صح الصلح كان رهنا بمضمون من حيث الظاهر فيصح وعند أبي يوسف لما لم يصح فقد حصل الرهن بما ليس بمضمون حقيقة فلم يصح (ومنها) أن يكون محتملا للاستيفاء من الرهن فإن لم يحتمل لم يصح الرهن به لان الارتهان استيفاء وعلى هذا يخرج الرهن بالقصاص في النفس وما دونها انه لا يجوز لأنه لا يمكن استيفاء القصاص من الرهن ويجوز الرهن بأرش الجناية لان استيفاء من الرهن ممكن فصح الرهن به وعلى هذا أيضا يخرج الرهن بالشفعة انه لا يصح لان حق الشفعة لا يحتمل الاستيفاء من الرهن فلم يصح الرهن به وعلى هذا
(١٤٤)