وحكى الشيخ أبو إسحاق عن أبي سعيد الإصطخري أنه يقضى عليه بنكوله من غير أن تحلف، لأنه أمر لا تعلمه وليس بشئ، لأنه حق نكل فيه المدعى عليه عن اليمين فحلف المدعى كسائر الحقوق. وقوله: أمر لا تعلمه يبطل بكنايات الطلاق والقذف، فإذا ثبت أنه عنين باقراره أو بيمينها بعد نكوله فإن الحاكم يؤجله سنة سواء كان الزوج حرا أو عبدا.
وحكى عن مالك أنه قال: يؤجل العبد نصف سنة. دليلنا ما رويناه عن الصحابة عمر وعثمان وابن مسعود والمغيرة وعلي، وبه قال سعيد بن المسيب وعطاء وعمرو بن دينار والنخعي وقتادة وحماد بن أبي سليمان، وعليه فتوى فقهاء الأمصار منهم أبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والشافعي وإسحاق وأبو عبيد ولم يفرق هؤلاء بين العبد والحر. ولان العجز عن الوطئ قد يكون من أصل الخلقة، وقد يكون لعارض، فإذا مضت عليه سنة اختلفت الأهوية (جمع هواء) فإن كان ذلك قد أصابه من الحرارة انحل في الشتاء، وان أصابه من الرطوبة انحل في الصيف وشدة الحر، وإن كان طبعه يميل إلى هواء معتدل أمكنه ذلك في الفصلين الآخرين، فان مضت عليه سنة ولم يقدر على الوطئ علم أن عجزه من أصل الخلقة، ولان بعضهم قال: الداء لا يستكن في البدن أكثر من سنة ثم يظهر ولا يضرب المدة له الا الحاكم، لان عمر رضي الله عنه أجل العنين سنه ولان من الناس من قال يؤجل.
ومنهم من قال: لا يؤجل، وكل حكم مختلف فيه فلا يثبت الا بالحاكم كالفسخ بالعيوب والاعسار بالنفقة، ولا يضرب الحاكم له المدة الا من حين ترافعا إليه بعد ثبوت العنه، فأما إذا أفر الزوج بالعنة وأقاما على ذلك زمانا فلا يحكم عليه بالتأجيل لان عمر رضي الله عنه أجل العنين سنه والظاهر أنه إنما ضرب له المدة من حين ترافعا إليه.
(فرع) فإذا ضرب للعنين المدة ثم جامع امرأته قبل انقضاء السنة أو بعدها وقبل الفسخ سقط حقها من الفسخ، لأنه قد ثبتت قدرته على الوطئ، وإن كان ذكره سليما خرج من العنه بتغييب الحشفة (والحشفة ما فوق الختان) في فرجها ولا يخرج بما دون ذلك، ولا يلزمه أكثر من ذلك لان أحكام الوطئ من وجوب