أن يستقر الضمان على الأول لأنه غر الثاني. ودفع إليه العين على أنه يستوفى منافعها بغير عوض، وإن تلفت العين في يد الثاني استقر الضمان عليه بكل حال، لأنه قبضها على أن تكون مضمونة عليه، فان رجع على الأول رجع الأول على الثاني. وإن رجع على الثاني لم يرجع على أحد على أحد القولين والثاني: له أن يرجع، وسيأتي في الغصب إن شاء الله (فرع) تجوز الإعارة مطلقا ومقيدا لأنها إباحة فجاز فيها إباحة ذلك كإباحة الطعام، ولان الجهالة إنما تؤثر في العقود اللازمة، فإذا أعاره شيئا مطلقا أبيح له الانتفاع به في كل ما هو مستعد له من الانتفاع به، فإذا أعاره أرضا مطلقا فله أن يزرع فيها ويغرس ويبنى ويفعل فيها كل ما هي معدة له من الانتفاع لان الاذن مطلق، وإن أعاره للغراس أو للبناء فله أن يزرع فيها ما شاء لان ضرره دون ضررهما، فكأنه استوفى بعض ما أذن له فيه، وإن استعارها للزرع لم يغرس ولم يبن، لان ضررهما أكثر، فلم يكن الاذن في القليل إذنا في الكثير.
وإن استعارها للغراس أو للبناء ملك المأذون فيه منهما وفى امتلاك الآخر وجهان (أحدهما) يملك الآخر لان الغراس والبناء يتقاربان في البقاء والتأبيد فكان الاذن في أحدهما إذنا في الآخر (والثاني) لا لاختلاف كل منهما. ولان ضررهما مختلف، فان ضرر الغراس في باطن الأرض لانتشار العروق فيها، وضرر البناء في ظاهرها فلم يكن الاذن في أحدهما إذنا في الاخر.
وإن استعارها لزرع الحنطة فله زرعها وزرع ما هو أقل ضررا منها كالشعير والباقلا والعدس، وله زرع ما ضرره كضرر الحنطة، لان الرضى بزراعة شئ رضى بضرره وما هو دونه، وليس له زرع ما هو أكثر ضررا منه كالذرة والدخن والقطن. لان ضرره أكثر، وحكم إباحة الانتفاع في العارية كحكم الانتفاع في الإجارة فيما له أن يستوفيه، وما يمنع منه. وفى الإجارة مزيد إن شاء الله تعالى.
ولما كانت بعض النباتات تجهد الأرض مثل القطن، ولذا تحتاج إلى تسميد وسباخ وبعضها يفيد الأرض كالفول والبرسيم فإنهما يفيدان الأرض ويكسبانها