(رابعا) وإن أراد السفر بها وقد نهاه المالك عن ذلك ضمنها لأنه مخالف لصاحبها، وإن لم يكن نهاه لكن الطريق مخوف أو البلد الذي يسافر إليه مخوف ضمنها لأنه فرط في حفظها، وإن لم يكن كذلك فله السفر بها عند أحمد وأبي حنيفة سواء كان به ضرورة إلى السفر أو لم يكن.
وقال الشافعي: إن سافر بها مع القدرة على صاحبها أو وكيله أو الحاكم أو أمين ضمنها لأنه يسافر بها من غير ضرورة، أشبه ما لو كان السفر مخوفا.
دليلنا: أنه متى سافر بها مع القدرة على مالكها أو نائبه أو الحاكم بغير إذنه فهو مفرط عليه الضمان، لأنه يفوت على صاحبها إمكان استرجاعها، ويخاطر بها لان النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن المسافر لعلى قلت إلا ما وقى الله " والقلت الهلاك على ما أسلفنا القول.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل) وإن حضره الموت فهو بمنزلة من حضره السفر، لأنه لا يمكنه الحفظ مع الموت بنفسه: كما لا يمكنه الحفظ مع السفر، وقد بينا حكمه، وإن قال في مرضه: عندي وديعة ووصفها، ولم يوجد ذلك في تركته، فقد اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق: لا يضرب المفر له مع الغرماء بقيمتها، لان الوديعة أمانة فلا يضمن بالشك، ومن أصحابنا من قال يضرب المقر له بقيمتها مع الغرماء وهو ظاهر النص، لان الأصل وجوب ردها، فلا يسقط ذلك بالشك.
(الشرح) قوله: لا يضرب المقر له. قال ابن بطال: مأخوذ من الضارب الذي يضرب بالقداح، وهو الموكل بها، ومثله الضريب والجمع الضرباء، لأنه يضرب مع الغرماء بسهم.
أما الأحكام فقد قال المصنف: ان حكم الميت حكم المسافر، وقد مضى في الفصل قبله. أما إذا قال في مرض الموت: عندي وديعة ثم وصفها، فلما مات لم توجد في تركته فقد اختلف فيه أصحابنا، فقد ذهب أبو إسحاق المروزي إلى أنها أمانة لا يجوز أن يسقط الائتمان فيه بالشك، ومن ثم لا يضرب مالكها مع