قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وتجوز كفالة البدن على المنصوص في الكتب، وقال في الدعاوي والبينات: إن كفالة البدن ضعيفة، فمن أصحابنا من قال: تصح قولا واحدا، وقوله: ضعيفة أراد من جهة القياس، ومن أصحابنا من قال: فيه قولان.
أحدهما: أنها لا تصح، لأنه ضمان عين في الذمة بعقد فلم يصح كالسلم في ثمرة نخلة بعينها. والثاني: يصح، وهو الأظهر لما روى أبو إسحاق السبيعي عن حارثة ابن مضرب قال صليت مع عبد الله بن مسعود الغداة فلما سلم قام رجل فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فوالله لقد بت البارحة وما في نفسي على أحد احنة وانى كنت استطرقت رجل من بنى حنيفة، وكان أمرني أن آتيه بغلس فانتهيت إلى مسجد بنى حنيفة، مسجد عبد الله بن النواحة: فسمعت مؤذنهم يشهد أن لا إله إلا الله، وأن مسيلمة رسول الله، فكذبت سمعي وكففت فرسي حتى سمعت أهل المسجد قد تواطأوا على ذلك فقال عبد الله بن مسعود، على بعبد الله ابن النواحة، فحضر واعترف، فقال له عبد الله: أين ما كنت تقرأ من القرآن قال: كنت أتقيكم به، فقال له: تب فأبى، فأمر به فأخرج إلى السوق فجز رأسه ثم شاور أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في بقية القوم، فقال عدى بن حاتم:
تؤلول كفر قد أطلع رأسه فاحسمه.
وقال جرير بن عبد الله والأشعث بن قيس اسثتبهم فان تابوا كفلهم عشائرهم فاستتابهم فتابوا، وكفلهم عشائرهم، ولان البدن يستحق تسليمه بالعقد فجاز الكفالة به كالدين، فإن قلنا: تصح جازت الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم بدين، لأنه حق لازم لآدمي فصحت الكفالة به كالدين، وإن كان عليه حد فإن كان لله تعالى لم تصح الكفالة به، لان الكفالة للاستيثاق وحق الله تعالى مبنى على الدرء والاسقاط; فلم يجز الاستيثاق بمن عليه، وإن كان قصاصا أو حد قذف ففيه وجهان.
(أحدهما) لا تصح، لأنه لا تصح الكفالة بما عليه فلم تصح الكفالة به