ولان المسروق لا يكون مسروقا إلا بالنقل عن الحرز فكذا المغصوب لا يصير مغصوبا إلا بالنقل. وتحريره قياسا أن كل ما لم يصر به المال مسروقا لم يصر به مغصوبا كالمنع والإحالة، دليله ما روى عطاء بن يسار عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إن أعظم الغلول عند الله أن يأخذ الرجل من أرض غيره إلى أرض نفسه " فأطلق على الأرض حكم الغلول والغصب، وروى عنه صلى الله عليه وسلم قوله " لعن الله سارق المنار، قيل: وما سارق المنار، قال:
أن يأخذ الرجل العلامة من أرضه إلى أرض غيره " فجعل ذلك سرقة، وقوله صلى الله عليه وسلم " ملعون من لعن أباه، ملعون من لعن أمه، ملعون من غير نجوم الأرض " وفى نجوم الأرض تأويلان.
أحدهما: علماؤها، والثاني: حدودها وأعلامها وما ضمن بالقبض في العقود ضمن بالتصرف في العقود كالمحول والمنقول، ولان ما ضمن به المنقول ضمن به غير المنقول كالعقود، ولأنه عدوان فجاز أن يضمن به غير المنقول كالجناية.
فأما الجواب بأن ما لم ينقل مختص بالمنع كالحبس فهو أن المحبوس عن ماله حصل التعدي عليه دون ماله فلم يصر المال مغصوبا، وخالف ما لو تصرف فيه، مع اشتهار القول عرفا أن فلانا غصب دارا أو أرضا.
وأما الجواب عن المسروق فهو أن القطع فيها يعتبر بهتك الحرز وإخراج المال عنه حتى لو نقل غير محرز لم يكن سارقا يقطع ويخالف الغصب المعتبر بالتصرف في المال، ألا ترى أنه لا يقال: سرق دارا، ويقال: غصب دارا، فإذا تقرر ما بينا فالمغصوب على ثلاثة أحوال.
(أحدها) أن يكون باقيا (والثاني) أن يكون تالفا (والثالث) أن يكون ناقصا، وفى هذه الفصول التي سقناها للمصنف حالان منها.
فإن كان باقيا بحاله ارتجعه المالك منه، فإن ضعف عن ارتجاعه فعلى والى الامر استرجاعه وتأديب الغاصب وإن كان مما لا أجرة لمثله كالطعام والدراهم والدنانير فقد برئ بعد رده من حكم الغصب، وسواء كانت قيمته قد نقصت في الأسواق