مستعار تلف بغير تفريط فوجب أن لا يضمنه المستعير قياسا على تلف الاجزاء قالوا: ولان ما لم تكن أجزاؤه مضمونه لم تكن جملته مضمونه كالودائع طردا والغصوب عكسا.
دليلنا رواية قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " على اليد ما أخذت حتى تؤدى " وهذا تضمين، ثم ساق الماوردي حديث صفوان المار كدليل آخر، فإن قيل: هو محمول على ضمان الرد كالودائع التي هي مضمونة الرد، وليست مضمونة العين، قيل: إطلاق القول يتناول ضمان الأعيان، ولذلك امتنع أن يطلق على الأمانات المؤداة حكم الضمان، على أنه روى عنه صلى الله عليه وسلم قال " عارية مضمونه مؤداة " وكان الأداء محمولا على الرد والضمان على التلف، ثم يجيب صاحب الحاوي على اعتراضات المخالفين فيقول عن حديث ليس على المستعير غير المغل ضمان:
الجواب من وجهين: أحدهما أنه محمول على ضمان الاجزاء التالفة بالاستعمال وهذا وإن كان تخصيصا فلما عارضه من الاخبار المخصصة.
والثاني: أن المغل في هذا الموضع ليس بمأخوذ من الخيانة والغلول وإنما هو مأخوذ من استغلال الغلة، يقال: هذا غل فهو مغل إذا أخذ الغلة.
قال زهير بن أبي سلمى:
فتغل لكم مالا تغل لأمثالها * قرى بالعراق من قفيز ودرهم فيكون لا ضمان على المستعير غير المستغل أي غير القابض لأنه بالقبض يصير مستغلا وهذا صحيح، وأما الجواب عن " عارية مضمونة أو مؤداة؟ " فهو أن معناه عارية مضمونه بالبدل، أو مؤداة العين استعلاما لحكمها هل تؤخذ على طريق البدل والمعاوضة أو على طريق الرد والأداء فأخبر أنها مؤداة العين، لا يملكها الآخذ بالبدل، وأما تلفها بالاستعمال المأذون فيه كالثوب المستعار إذا بلى باللبس لم يضمنه المستعير، والمعنى فيه أنه أتلفه بإذن مالكه فسقط عنه ضمانه، والعارية إذا تلفت بغير إذن مالكها وجب عليه ضمانها، ولو تلف الثياب بغير اللبس المأذون فيه كأن شد فيها متاعا أو حل فيها ترابا ضمن، وعند أحمد في أظهر القولين يجب ضمانها لو بليت باللبس.