قال المصنف رحمه الله:
(فصل) وإن أخذ رجل من رجل جملا، ومن آخر راوية، على أن يستقى الماء ويكون الكسب بينهم، فقد قال في موضع: يجوز. وقال في موضع لا يجوز، فمن أصحابنا من قال: إن كان الماء مملوكا للسقاء فالكسب له، ويرجع عليه صاحب الجمل والراوية بأجرة المثل للجمل والراوية، لأنه استوفى منفعتهما بإجارة فاسدة فوجب عليه أجرة المثل وإن كان الماء مباحا فالكسب بينهم أثلاثا لأنه استقى الماء على أن يكون الكسب بينهم فكان الكسب بينهم كما لو وكلاه في شراء ثوب بينهم فاشتراه، على أن يكون بينهم، وحمل القولين على هذين الحالين، ومنهم من قال: إن كان الماء مملوكا للسقاء كان الكسب له، ويرجعان عليه بالأجرة لما ذكرناه، وإن كان الماء مباحا ففيه قولان.
(أحدهما) أنه بينهم أثلاثا لأنه أخذه على أن يكون بينهم فدخل في ملكهم كما لو اشترى شيئا بينهم بإذنهم.
(والثاني) أن الكسب للسقاء، لأنه مباح اختص بحيازته فاختص بملكه كالغنيمة، ويرجعان عليه بأجرة المثل لأنهما بذلا منفعة الجمل والراوية، ليسلم لهما الكسب ولم يسلم، فثبت لهما أجرة المثل.
(الشرح) الأحكام: قال الشافعي رحمه الله تعالى في البويطي: إذا اشترك أربعة أنفس في الزراعة فأخرج أحدهما البذر ومن الثاني الأرض ومن الثالث الفدان يعنى البقر التي يعمل عليها، والرابع يعمل على أن يكون الزرع بينهم فإن هذا عقد فاسد، لأنه ليس شركة ولا قراضا ولا إجارة لان الشركة لا تصح حتى يخلط الشركاء أموالهم، وها هنا أموالهم متميزة، وفى القراض يرجع رب المال إلى رأس ماله عند المفاصلة، وههنا لا يمكن، والإجارة تفتقر إلى أجرة معلومة وعمل معلوم، فإذا ثبت هذا كانت الغلة كلها لمالك البذر لأنها عين ماله زادت، وعليه لصاحب الأرض ولصاحب الفدان أجرة مثل مالهم، وللعامل أجرة مثل عمله عليه، لان كل واحد منهم دخل في العقد ليكون له شئ من الغلة، ولم يسلم لهم ذلك، وقد تلفت منافعهم فكان لهم بدلها.