والثالث: وهو قول الشافعي أنه يقر ولا يجبر على القلع إذا بذل الأجرة بعد الرجوع في العارية لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس لعرق ظالم حق " والمستعير ليس بظالم فلم يجز أن يؤخذ بالقلع كالظالم لان العارية إرفاق ومعونة فلو أوجبت الاضرار بالقلع لخرجت عن حكم الارفاق والمعونة إلى حكم العدوان والضرر.
(فرع) إذا ثبت أن الغرس والبناء مقر فإقراره مشروط ببذل الأجرة وإقامة المعير على المبيع من ترك القيمة، فصار اقراره مستحقا بهذين الشرطين فإن أجاب المعير من بعد إلى بذل القيمة أو امتنع المستعير من بذل الأجرة أجبر على القلع، لأنه لا يجوز أن يدخل الضرر على المعير بتفويت الإجارة وما استدام وجب الاقرار ولم يكن للمستعير منع المعير من دخول أرضه: وإن كان مستظلا بغرسه وبنائه لان الأجرة مأخوذة على اقرار الغرس والبناء، فأما البياض الذي بين أثنائه فليس بمشغول بملك المستعير فلم يجز منه المعير منه، وان بذلت له الأجرة عليه أن يجيب إلى اجارتها طوعا بمسمى يرضاه فيكون كمن أجر أرضه مختارا، فأما المستعير فهل يستحق دخول الأرض ليصل إلى غرسه وبنائه أم لا على وجهين.
(أحدهما) لا يستحق الدخول لأرض المعير.
(والوجه الثاني) وهو قول أبي علي بن أبي هريرة: انه يستحق دخول الأرض ليصل إلى غرسه وبنائه في مراعاته ومصلحته، ويجبر المعير على تمكينه لان الاذن بالغرس والبناء اذن به وبمنافعه، فإن مات الغرس وانهدم البناء لم يكن له إعادة بدله الا باستحداث عارية والى ما سبق ذهب الحنابلة.
(فرع) وإذا أراد المستعير بيع غرسه وبنائه على غير المعير ففي جوازه وجهان، أحدهما: يجوز، لأنه مملوك، وليس للمعير أن يأخذ المشترى بالقلع كما لم يكن له أن يأخذ به المستعير. والوجه الثاني أن بيعه لا يجوز، لان المشترى غير مستعير، وترك ما اشتراه غير مستديم، لان المعير متى بذل القيمة استحق بها أخذ الغرس أو قلعه، وهذان الوجهان من اختلافهم في المستعير هل يجوز له أن يعير؟