والمعتبر هو نقد بلد البيع وليس بلد التوكيل، فقد تعقد الوكالة في بلد والمراد بيعه في بلد آخر فيكون البيع بنقد البلد الذي جرى فيه البيع، وذلك لمعرفة أهل البلد بنقدهم، وتقويمهم المبيع بنقدهم يمنع وقوعهم في الغرر.
قال الماوردي: لما لم يصح من الوكيل أن يشترى بغير نقد البلد لم يصح من الوكيل في البيع أن يبيع بغير نقد البلد، وتحريره أنه عقد معاوضة بوكالة مطلقة فوجب أن لا يصح بغير نقد البلد قياسا على الشراء، أو لان كل جنس لا يجوز للوكيل أن يبتاع به لم يجز للوكيل أن يبيع به قياسا على البيع بغير جنس الأثمان وبالمحرمات، فعلى هذا لو كان غالب نقد البلد ذهبا لم يبعه بالفضة، ولو كان كلا النقدين سواء وليس أحدهما غالبا لزم الوكيل ببيعها بأحظها للموكل، فان استويا كان حينئذ مخيرا في بيعه بأيهما شاء، فان باعه بكلا النقدين فإن كان في عقدين صحا جميعا إذا كان مما يجوز تفريق الصفقة في بيعه، وإن كان في عقد واحد فعلى وجهين أحدهما: يجوز الجمع بين النقدين كما جاز إفراد كل واحد من النقدين.
والثاني: لا يجوز، لان غالب البياعات يتناول جنسا واحدا من الأثمان فلم يجز أن يعدل إلى غالبها، وبالله التوفيق قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وان دفع إليه ألفا وقال اشتر بعينها عبدا، فاشترى في ذمته لم يصح الشراء للموكل لأنه لم يرض بالتزام غير الألف، فإذا ابتاع بألف في الذمة فقد ألزمه في ذمته ألفا لم يرض بالتزامها فلم يلزمه. وان قال اشتر لي في الذمة وانقد الألف فيه، فابتاع بعينها ففيه وجهان، أحدهما أن البيع باطل، لأنه أمره بعقد لا ينفسخ بتلف الألف فعقد عقدا ينفسخ بتلف الألف، وذلك لم يأذن فيه ولم يرض به. والثاني أنه يصح لأنه أمره بعقد يلزمه الثمن مع بقاء الألف ومع تلفها وقد عقد عقدا يلزمه الثمن مع بقائها ولا يلزمه مع تلفها فزاده بذلك خيرا، وان دفع إليه ألفا وقال اشتر عبدا ولم يقل بعينها، ففيه وجهان. أحدهما أن مقتضاه الشراء بعينها لأنه لما دفع إليه الألف دل على أنه قصد الشراء بها، فعلى هذا إذا اشترى في ذمته لم يصح الشراء. والثاني أنه لا يقتضى الشراء بعينها لان الامر مطلق، فعلى هذا يجوز أن يشترى بعينها، ويجوز أن يشترى في الذمة وينقد الألف فيه.