أما الأحكام فإنها تشتمل على ما يأتي:
(أولا) يجب على الوديع إذا أزمع السفر أن يردها، فإن لم يجد ربها فوكيله والا سلمها إلى الحاكم. قال الشافعي في الام " فإن كان المستودع حاضرا أو وكيله لم يكن له أن يسافر حتى يردها إليه أو إلى وكيله، أو يأذن له أن يودعها من رأى فان فعل فأودعها من شاء فهلكت ضمن " وقال الشافعي أيضا " إذا استودع الرجل الرجل وديعة وأراد المستودع سفرا فلم يثق بأحد يجعلها عنده فسافر بها برا أو بحرا فهلكت ضمن. وكذلك لو أراد سفرا فجعل الوديعة في بيت مال المسلمين فهلكت ضمن " اه (قلت) وهذا واضح من كلام المصنف أن الحاكم لا ولاية له مع وجود المالك (ثانيا) إذا لم يقدر على ردها أو ايداعها عند الحاكم فقد قال الشافعي " وإن كان غائبا فأودعها من يودع ماله ممن يكون أمينا فهلكت لم يضمن، فان أودعها من يودع ماله ممن ليست له أمانة فهلكت ضمن " ثم قال " لأنه يجوز أن يوكل بماله غير أمين، ولا يجوز له أن يوكل بأمانته غير أمين. اه (ثالثا) إذا أودعها أمينا مع وجود الحاكم فعلى الوجهين (أحدهما) وهو ظاهر النص الذي أسلفنا نقله لا يضمن، وبه أخذ أبو إسحاق المروزي (والثاني) وهو ظاهر قول الشافعي في الرهن حيث يقول " وإذا أراد العدل الذي عليه الرهن الذي هو غير الراهن والمرتهن رده بلا علة أو لعلة والمرتهن والراهن حاضران فله ذلك وإن كانا غائبين أو أحدهما لم يكن له اخراجه من يدي نفسه، فان فعل بغير أمر الحاكم فهلك ضمن، وان جاء الحاكم فإن كان له عذر أخرجه من يديه. وذلك أن يبدو له سفر أو يحدث له. وإن كان مقيما لشغل أو علة، وان لم يكن له عذر يحبسه إن كان قريبا حتى يقدما أو يوكلا، فإن كانا بعيدا لم أر عليه أن يضطره إلى حبسه، وإنما هي وكالة وكل بها بلا منفعة له فيها، ويسأله ذلك فان طابت نفسه بحبسه والا أخرجه إلى عدل غيره " اه ولان أمانة الحاكم أمر قطعي وأمانة غيره كالأمين أمر ظني والقطعي مقدم على الظني، كالنص يرد الاجتهاد