مقطوع بها فلا يجوز ترك ما يقطع به بما لا يقطع به كما لا يترك النص للاجتهاد فإن لم يكن أمين لزمه أن يسافر بها، لان السفر في هذه الحال أحوط، فإن وجد المالك أو الحاكم أو الأمين فسافر بها ضمن، لان الايداع يقتضى الحفظ في الحرز، وليس السفر من مواضع الحفظ، لأنه إما أن يكون مخوفا أو آمنا لا يوثق بأمنه، فلا يجوز مع عدم الضرورة.
وأن دفنها ثم سافر نظرت فإن كان في موضع لا يد فيه لاحد ضمن، لان ما تتناوله الأيدي معرض للاخذ، فإن كان في موضع مسكون فإن لم يعلم بها أحدا ضمن، لأنه ربما أدركته المنية في السفر فلا تصل إلى صاحبها، فإن أعلم بها من لا يسكن في الموضع ضمن، لان ما في البيت إنما يكون محفوظا بحافظ، فان أعلم بها من يسكن في الموضع فإن كان غير ثقة ضمن، لأنه عرضه للاخذ.
وإن كان ثقة فهو كما لو استودع ثقة ثم سافر، وقد بينا حكم من استودع ثم سافر (الشرح) أم أيمن هي بركة بنت ثعلبة بن عمرو مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ورثها عن أبيه وهي أم أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وابن حبه، تزوجها زيد بن حارثة بعد أبي أيمن وكان حبشيا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أم أيمن أمي بعد أمي هاجرت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة وأسماء وزيد وأسامة، وأدركت المدينة والمسجد يبنى وقد عطشت وهي مهاجرة فنزل لها دلو من السماء فشربت فما ظمئت بعد ذلك أبدا، وكانت تقول ما أصابني بعد ذلك عطش، ولقد تعرضت للعطش في الصوم في الهواجر فما عطشت. والخبر وإن كان شائعا في كتب الفقه، إلا أنه غير موجود في الكتب الستة، وليس في مسند أحمد أو سنن الدارمي أو سنن الدارقطني أو موطأ مالك، وليس في مجمع الزوائد للهيثمي. وليس في أمهات فقه الحديث كنيل الأوطار وسبل السلام، وليس في شئ من كتب تراجم الصحابة كالاستيعاب وسير أعلام النبلاء. وليس في كتب السير الا ما في ابن هشام أن ابن إسحاق قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر جعل عليا على الودائع، ولم يذكر شيئا عن أم أيمن رضي الله عنها.