(قلت) للايداع لدى غيره صورتان (إحداهما) أن يودعها غيره لغير عذر فعليه الضمان بغير خلاف في المذهب. وهو قول شريح ومالك وأحمد وأصحابه وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه. وقال ابن أبي ليلى لا ضمان عليه، لان عليه حفظها وإحرازها. وقد أحرزها عند غيره وحفظها به. ولأنه يحفظ ماله بإيداعه، فإذا أودعها فقد حفظها بما يحفظ به ماله فلم يضمنها، كما لو حفظها في حرزه. دليلنا أنه خالف المودع فضمنها، كما لو نهاه عن ايداعها، فإنه أمره بحفظها بنفسه ولم يرض لها غيره فإذا ثبت هذا فان له تضمين الأول وليس للأول الرجوع على الثاني لأنه دخل معه في العقد على أنه أمين لا ضمان عليه، فان أحب المالك تضمين الثاني كان له ذلك. وقال أبو حنيفة ليس له تضمين الثاني. وهذا هو ظاهر كلام أحمد إذ ذكر الضمان على الأول فقط.
دليلنا أنه أخذ ما لم يكن له أخذه، فإذا استعمل المالك حقه وضمنه، فإن لم يكن يعلم - أعني الوديع الثاني - بأن هذه الوديعة ليست لمن أودعها إياه ففي رجوع الثاني على الأول وجهان (أحدهما) أنه يرجع عليه لأنه غره ولم يوضح له الامر (والثاني) لا يرجع لأنها تلفت في يده فاستقر الضمان عليه، فان قلنا بالوجه الأول برجوع الثاني على الأول فليس للأول أن يرجع عليه. وإن قلنا بالوجه الثاني رجع عليه وإن كان يعلم فلم يغرر به الأول فليس له الرجوع عليه وجها واحدا (فرع) للوديع أن يعين للوديعة إن كانت ماشية من يقوم على رعيها وسقيها، فإن كانت تحتاج إلى حمل أو تنظيف أو صيانة فعهد بذلك لمن يقوم به مما جرى العرف ولا يعد هذا إيداعا لغيره وسيأتي مزيد له.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل) وإن أودعه دراهم فخلطها بمثلها من ماله ضمن، لان صاحبها لم يرض أن يخلط ماله بمال غيره، فان خلطها بدراهم لصاحب الدراهم ففيه وجهان (أحدهما) لا يضمن، لان الجميع له (والثاني) أنه يضمن وهو الأظهر، لأنه