(الشرح) الأحكام: قال الشافعي: ولو حل دابة أو فتح قفصا عن طائر فوقف ثم ذهب لم يضمن لأنهما أحدثا الذهاب وصورة ذلك أن رجلا حل دابة مربوطة أو فتح قفصا عن طائر محبوس فشردت الدابة وطار الطائر، فهذا على ضربين (أحدهما) أن يكون شرود الدابة وطيران الطائر بتهييجه وتنفيره، فعليه الضمان إجماعا، وإنما لزمه الضمان وإن كان الحل سببا والطيران مباشرة لأنه قد ألجأه بالتنفير والتهييج إلى الطيران، وإذا انضم إلى السبب إلجاء تعلق الحكم بالمسبب الملجئ سقط حكم الفاعل كالشاهدين على رجل بالقتل إذا اقتص منه الحاكم بشهادتهما ثم رجعا تعلق الضمان عليهما دون الحاكم، لأنهما الجاه بالشهادة فسقط حكم المباشرة (والثاني) أن لا يكون منه تهييج ولا تنفير فللدابة والطائر حالتان:
(إحداهما) إن مكثا بعد حل الرباط وفتح القفص زمانا فلا ضمان عليه لانفصال السبب عن المباشرة. وبه قال أبو حنيفة. وقال مالك: عليه الضمان.
وكذلك قال أحمد.
والحال الثانية: أن تشرد الدابة ويطير الطائر في الحال من غير لبث، ففي الضمان لأصحابنا وجهان:
(أحدهما) وهو قول أبي إسحاق المروزي وأبي علي بن أبي هريرة: عليه الضمان لاتصاله بالسبب. وهو قول أبي حنيفة (والثاني) وهو ظاهر نص الشافعي في كتاب اللقطة: لا ضمان عليه لعدم الالجاء.
واستدل مالك ومن تابعه على وجوب الضمان بالسبب متصلا ومنفصلا بأن أسباب التلف المضمونة كحفر البئر وفتح القفص سبب للتلف فوجب أن يتعلق به الضمان، ولان كل ما تعلق به الضمان مع اتصاله بسببه جاز أن يتعلق به الضمان مع انفصاله عن سببه كالجارح يضمن إن تعجل التلف أو تأجل ودليلنا هو أن للحيوان اختيارا يتصرف به لما شاهد عيانا من قصده لمنافعه واجتنابه لمضاره، ثم لما قد استقر حكما من تحريم ما قد صاده باسترساله وتحليل ما صاده باسترسال مرسله، فإذا اجتمع السبب والاختيار تعلق الحكم على