الاختيار دون السبب كملقى نفسه مختارا من شاهق يسقط الضمان عن باني الشاهق أو في بئر يسقط عن حافرها. وطيران الطائر باختياره لأنه غير ملجأ، وقد كان يجوز بعد فتح القفص أن لا يطير، فوجب إذا طار بعد الفتح أن لا يتعلق بالفتح ضمان، ولان طيران الطائر بفتح القفص كهرب العبد المحبوس إذا فتح حبسه فكما أن فاتح الحبس لا يضمنه إن هرب كذلك فاتح القفص لا يضمن الطائر إذا طار، ولان مثابته من فتح القفص عن طائر حتى طار بمثابة من هتك حرمة مال حتى سرق، ثم كان كما لو فتح باب دار فيها مال فسرق لم يضمنه. وكذلك القفص إذا فتح بابه حتى طار طائر لم يضمن، ولان فتح القفص يكون تعديا على القفص دون الطائر، بدليل أنه لو مات الطائر في القفص بعد فتحه لم يضمنه، وما انتفى عنه التعدي لم يضمن به.
* * * فأما الجواب عن استدلالهم بأن أسباب التلف مضمونة لحافر البئر يضمن ما سقط فيها، فهو أنهما سواء، وذاك أن من طبع الحيوان توقى المتالف. فإذا سقط في البئر دل على أن سقوطه بغير اختياره فضمن الحافر، ولو علمنا أنه سقط باختياره بإلقاء نفسه عمدا سقط الضمان عن الحافر، والطير مطبوع على الطيران عند القدرة: إلا في أوقات الاستراحة، فإذا طار دل على أن طيرانه باختياره فسقط الضمان عن فاتح القفص ولو علمنا أنه طار بغير اختياره بالالجاء والتنفير وجب الضمان على فاتح القفص فكانا سواء.
فأما استدلالهم باستواء الأسباب فيما تعجل بها التلف أو تأجل فلأصحابنا في ضمانه إذا طار عقيب الفتح وجهان (أحدهما) لا يضمنه، فعلى هذا سقط السؤال فيه (الثاني) يضمنه. فعلى هذا يكون الفرق بين أن يطير في الحال فيضمن، وبين أن يطير بعد زمان فلا يضمن هو أن الطير مطبوع على النفور من الانسان