فتعرف قلنا فالإجارة في عين قائم تكون في ذلك العين قائمة تعرف فإن زعمت أن الإجارة إنما هي منفعة والمنفعة مغيبة وقد تختلف فلم أجزتها ولم تقل فيها قول من ردها وعبت من ردها ونسبته إلى الجهالة؟ قال لأنه ترك السنة وإجماع الفقهاء وليس في السنة ولا إجماع الفقهاء إلا التسليم ولا تضرب له الأمثال ولا تدخل عليه المقاييس قلنا فإذا اجتمع الفقهاء على إجازتها وصيروها ملك منفعة معقولة وإن كانت لا تكون شيئا يكال ولا يوزن ولا يذرع وأجازها مغيبة وأوجبوها كما أوجبوا غيرها من البيوع ثم صرت إلى عيب قولنا فيها وأنت تجيزها وقولنا قول مستقيم على السنة والآثار وصرت بحجة من أبطلها فإذا قيل لك إن كانت في هذا حجة فأبطلها وإن لم يكن فيه حجة فلا تحتج به قلت لا أبطلها لأنها السنة وإجماع الفقهاء فإن قال قائل فدع حجة من أخطأ في إبطالها وأجزها كما أجازها الفقهاء فقد أجازوها وإذا أجازوها فلا يجوز عندنا أن يكونوا أجازوها إلا على أنها تمليك منفعة معقولة وما كان تمليكا فقد يوجب ثمنه وإلا صرت إلى حجة من أبطلها، فإن قال لك قائل فكيف صيرت هذا قبضا والقبض ما يصير في يدي صاحبه الذي قبضه ويقطع عنه ملك الذي دفعه؟ قيل له إن الدفع من المالك لمن ملكه يختلف ألا ترى أن رجلا لو ابتاع بيوعا ودفع إليه أثمانها ثم حاكمه إلى القاضي قضى عليه بدفعها فإن كان عبدا أو ثوبا أو شيئا واحدا سلمه إليه وإن كان شيئا يتجزأ بعينه فكان طعاما في بيت استوجبه كله بكيل على أن كل مد بدرهم قال كله له فكان يقبضه شيئا بعد شئ لا جملة كقبضه الواحد فيقضى عليه بدفع كل صنف من هذا كما يستطاع قبضه فكذلك قضى عليه بدفع الإجارة كما يستطاع ولا يستطاع فيها أكثر من تسليم الذي فيه المنفعة إلى الذي ملك فيه المنفعة، والمنفعة فيها معروفة كما الشراء في الدار المشاعة معروف بحساب وفى غيره فإن قال قائل فإن الذي فيه المنفعة بسلم ثم ينهدم المنزل أو يموت العبد فتكون أوجبت عليه دفع ماله وهو مائة ثم لا يستوفى بالمائة إلا حق بعضها ويكون المؤاجر قد انتفع بالثمن قلنا بذلك رضى المستأجر قال ما رضى إلا بأن يستوفى قلنا إن قدر على الاستيفاء فذلك له وإن لم يقدر أخذ ماله قال وأي شئ يشبه هذا من البيوع؟ قلنا ما وصفنا من السلم أدفع لهذا مائة درهم في رطب فمضى الرطب ولم يوف منه شيئا فيعود إلى أن يقول لي خذ رأس مالك وقد انتفع به المسلم إليه أو أخر مالك بعد محله سنة بلا رضا منك إلى سنة أخرى فإذا قلت قد انتفع بمالي فإن أخذته فقد أخذ منفعة مالي بلا عوض أخذته وإن أخرته سنة فقد انتفع بمالي سنة بلا طيب نفسي ولا عوض أعطيته منه قال لا أجد إلا هذا فإن قلت لك وصدقني المسلم إليه بأنه تغيب منى حتى مضى الرطب قلت لا أجد شيئا أعديك عليه لأنك رضيت أمانته، قلت: ما رضيت إلا بالاستيفاء وقد كان يقدر على أن يوفيني قلت: وقد فات الرطب الذي يوفيك منه قيل فالمستأجر للعين إنما استأجره وهو يعلم أن العين إذا ذهبت المنفعة فكيف عبته فيه وهو يعلمه ولم تعب في المسلم إليه الذي ضمن لصاحبه الرطب كيلا معلوما بصفة من غير شئ يعينه المسلم إليه كان أولى أن تعيبه فيه من المستأجر وهو يقول: في الرجل يبتاع الشئ من الرجل والشئ المبتاع بعينه ببلد غائب عن المتبايعين ويدفع المشتري إلى المشترى منه الثمن وافيا على أن يسلم البائع للمشترى ما اشترى منه وأشهد به له ودفع إليه ثمنه ثم هلك الشئ المبتاع فيقول يرجع المشترى بالثمن وقد انتفع به رب السلعة ولم يأخذ رب المال عوضا فيقول للمشترى أنت رضيت بذلك وقد كانت لك السلعة لو تمت فلما لم تتم انتقض البيع وإنما رضيت بتمامها ويقول أيضا في الرجل ينكح المرأة بعبد فتخليه ونفسها فلم يدخل بها وتخليتها إياه ونفسها هو الذي يلزمها فإذا فعلت جبرته على دفع العبد إليها ويكون ملكها له صحيحا فإن باعت أو
(٢٩)