أهل الفئ يغزوا كل قوم إلى من يليهم من المشركين ولا يكلف الرجل البلاد البعيدة وله مجاهد أقرب منها إلا أن يختلف حال المجاهدين فيزيد عن القريب عن يكفيهم فإن عجز القريب عن كفايتهم كلفهم أقرب أهل الفئ بهم. قال: ولا يجوز أن يغزوا أهل دار من المسلمين كافة حتى يخلف في ديارهم من يمنع دارهم منه (قال الشافعي) فإذا كان أهل دار المسلمين قليلا إن غزا بعضهم خيف العدو على الباقين منهم لم يغز منهم أحد وكان هؤلاء في رباط الجهاد ونزلهم (قال الشافعي) وإن كانت ممتنعة غير مخوف عليها ممن يقاربها فأكثر ما يجوز أن يغزى من كل رجلين رجلا فيخلف المقيم الظاعن عن أهله وماله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تجهز إلى تبوك فأراد الروم وكثرت جموعهم، قال ليخرج من كل رجلين رجل ومن في المدينة ممتنع بأقل ممن تخلف فيها، وإذا كان القوم في ساحل من السواحل كسواحل الشام وكانوا على قتال الروم والعدو الذي يليهم أقوى ممن يأتيهم من غير أهل بلدهم وكان جهادهم عليه أقرب منه على غيرهم فلا بأس أن يغزوا إليهم من يقيم في ثغورهم مع من تخلف منهم وإن لم يكن من خلفوا منهم يمنعون دارهم لو انفردوا إذا صاروا يمنعون دارهم بمن تخلف من المسلمين معهم ويدخلون بلاد العدو فيكون عدوهم أقرب ودوابهم أجم وهم ببلادهم أعلم وتكون دارهم غير ضائعة بمن تخلف منهم وخلف معهم من غيرهم قال: ولا ينبغي أن يولى الإمام الغزو إلا ثقة في دينه شجاعا في بدنه حسن الأناة عاقلا للحرب بصيرا بها غير عجل ولا نزق وأن يقدم إليه وإلى من ولاه أن لا يحمل المسلمين على مهلكة بحال ولا يأمرهم بنقب حصن يخاف أن يشدحوا تحته ولا دخول مطمورة يخاف أن يقتلوا ولا يدفعوا عن أنفسهم فيها ولا غير ذلك من أسباب المهالك فإن فعل ذلك الإمام فقد أساء ويستغفر الله تعالى ولا عقل ولا قود عليه ولا كفارة إن أصيب أحد من المسلمين بطاعته. قال: وكذلك لا يأمر القليل منهم بانتياب الكثير حيث لا غوث لهم ولا يحمل منهم أحدا على غير فرض القتال عليه وذلك أن يقاتل الرجل الرجلين لا يجاوز ذلك وإذا حملهم على ما ليس له حملهم عليه فلهم أن لا يفعلوه. قال: وإنما قلت لا عقل ولا قود ولا كفارة عليه أنه جهاد ويحل لهم بأنفسهم أن يقدموا فيه على ما ليس عليهم بعرض القتل لرجاء إحدى الحسنيين، ألا ترى أنى لا أرى ضيقا على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسرا أو يبادر الرجل وإن كان الأغلب أنه مقتول لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمل رجلا من الأنصار حاسرا على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقتل.
تحريم الفرار من الزحف قال الله تبارك وتعالى " يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتل إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وقال عز وجل " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " الآية أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال لما نزلت " إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين " فكتب عليهم أن لا يفر العشرون من المائتين فأنزل الله عز وجل " الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين " فخفف عنهم وكتب عليهم أن لا يفر مائة من المائتين: (قال الشافعي) وهذا كما قال ابن عباس إن شاء الله تعالى مستغنى فيه بالتنزيل عن التأويل. وقال الله تعالى: " إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الادبار " الآية فإذا غزا المسلمون