مسألة إعطاء الجزية بعدما يؤسرون (قال الشافعي) وإذا أسر الإمام قوما من أهل الكتاب وحوى نساءهم وذراريهم وأولادهم فسألوه تخليتهم وذراريهم ونسائهم على إعطاء الجزية لم يكن ذلك له في نسائهم ولا أولادهم ولا ما غلب من ذراريهم وأموالهم وإذا سألوه إعطاء الجزية في هذا الوقت لم يقبل ذلك منهم لأنهم صاروا غنيمة أو فيئا وكان له القتل والمن والفداء كما كان ذلك له في أحرار رجالهم البالغين خاصة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد من وفادى وقتل أسرى الرجال وأذن الله عز وجل بالمن والفداء فيهم فقال " فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء " (قال الشافعي) ولو كان أسر أكثر الرجال وحوى أكثر النساء والذراري والأموال وبقيت منهم بقية لم يصل إلى أسرهم بامتناع في موضع أو هرب كان له وعليه أن يعطى الممتنعين أحد الجزية والأمان على أموالهم ونسائهم إن لم يكن أحرز من ذلك شيئا فإن أعطاهم ذلك مطلقا فكان قد أحرز من ذلك شيئا لم يكن له الوفاء به وكان عليه أن يقسم ما أحرز لهم وخيرهم بين أن يعطوا الجزية عن أنفسهم وما لم يحرز لهم أو ينبذ إليهم ولو جاء الإمام رسل بعض أهل الحرب فأجابهم إلى أمان من جاءوا عنده من بلد كذا وكذا على أخذ الجزية وخالف الرسل من غزا من المسلمين فافتتحوها وحووا بلادهم نظر فإن كان الأمان كان لهم قبل الفتح وقبل أن يحووا البلاد خلى سبيلهم وكانت لهم الذمة على ما أعطوا ولو أعطوا ذمة منتقصة خلى سبيلهم ونبذ إليهم وإن كان سبأوهم والغلبة على بلادهم كان قبل إعطاء الإمام إياهم ما أعطاهم مضى عليهم السباء وبطل ما أعطى الإمام لأنه أعطى الأمان ما كان رقيقا وماله غنيمة أو فيئا كما لو أعطى قوما حووا أن يرد إليهم أموالهم لم يكن ذلك له.
مسألة اعطاء الجزية على سكنى بلد ودخوله (قال الشافعي) قال الله تبارك وتعالى " إنما المشركون نجس " الآية قال فسمعت بعض أهل العلم يقول المسجد الحرام الحرم (قال الشافعي) وبلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " لا ينبغي لمسلم أن يؤدى الخراج ولا لمشرك أن يدخل الحرم " قال وسمعت عددا من أهل العلم بالمغازي يروون أنه كان في رسالة النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا فإن سأل أحد ممن تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجرى عليه الحكم على أن يترك يدخل الحرم بحال فليس للإمام أن يقبل منه على ذلك شيئا ولا أن يدع مشركا يطأ الحرم بحال من الحالات طبيبا كان أو صانعا بنيانا أو غيره لتحريم الله عز وجل دخول المشركين المسجد الحرام وبعده تحريم رسوله ذلك وإن سأل من تؤخذ منه الجزية أن يعطيها ويجرى عليه الحكم على أن يسكن الحجاز لم يكن ذلك له والحجاز مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها كلها لأن تركهم بسكنى الحجاز منسوخ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم استثنى على أهل خيبر حين عاملهم فقال " أقركم ما أقركم الله " ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجلائهم من الحجاز ولا يجوز صلح ذمي على أن يسكن الحجاز بحال (قال الشافعي) رحمه الله تعالى وأحب إلى أن لا يدخل الحجاز مشرك بحال لما وصفت من أمر النبي صلى الله عليه وسلم قال ولا يبين لي أن يحرم أن يمر ذمي بالحجاز مارا لا يقيم ببلد منها أكثر من ثلاث ليال وذلك مقام مسافر لأنه قد يحتمل أمر النبي