بأس إن كانت عليك خمسة دنانير حالة أن تؤاجر بها عبدا لك من رب الدنانير إذا قبض العبد وليس من هذا شئ دينا بدين الحكم في المستأجر أن يدفع إلى المستأجر له نقدا غير أن صاحبه يستوفى الإجارة في مدة تأتى ولولا أن الحكم فيه هكذا ما جازت الإجارة بدين أبدا من قبل أن هذا دين بدين ولا عرفت لها وجها تجوز فيه وذلك أنى إن قلت لا تجب الإجارة إلا باستيفاء المستأجر من المنفعة ما يكون له حصة من الثمن كانت الإجارة منعقدة والمنفعة دين فكان هذا دينا بدين. ولو قلت يجوز أن أستأجر منك عبدك بعشرة دنانير شهرا فإذا مضى الشهر دفعت إليك العشرة كانت العشرة دينا وكانت المنفعة دينا فكان هذا دينا بدين ولو قلت أدفع إليك عشرة وأقبض العبد يخدمني شهرا كان هذا سلفا في شئ غير موصوف وسلفا غير مضمون على صاحبه وكان هذا في هذه المعاني كلها إبطال الإجارات وقد أجازها الله تعالى وأجازتها السنة وأجازها المسلمون وقد كتبنا تثبيت إجازتها في كتاب الإجارات ولولا أن ما قلت كما قلت إن دفع المستأجر من دار وعبد إلى المستأجر دفع العين التي فيها المنفعة فيحل في الإجارة النقد والتأخير لأن هذا نقد بنقد ونقد بدين ما جازت الإجارات بحال أبدا فإن قال قائل فهي لا يقدر على المنفعة فيها إلا في مدة تأتى قلنا قد عقلنا أن الإجارات منذ كانت هكذا فإن حكمها حكم الطعام يبتاع كيلا فتشرع في كيله فلا تأخذ منه ثانيا أبدا إلا بعد بادئ وكذلك أنه لا يمكنك فيه غير هذا وكذلك السكنى والخدمة لا يمكن فيهما أبدا غير هذا فأما من قال ممن أجاز الإجارات يجوز أن يستأجر العبد شهرا بدينار أو شهرين أو ثلاثة ثم قال ولا يجوز أن يكون لي عليك دينار فاستأجره منك به لأن هذا دين بدين فالذي أجاز هو الدين بالدين إذا كانت الإجارة دينا لا شك والذي أبطل هو الذي ينبغي أن يجيز من قبل أنه يجوز لي أن يكون لي عليك دينار فآخذ به منك دراهم ويكون كينونته عليك كقبضك إياه من يدي ولا يجوز أن يعطيك دراهم بدينار مؤجل ويزعم هنا في الصرف أنه نقد ويزعم في الإجارة أنه دين فلا بد أن يكون الحكم أنه نقد فيهما جميعا أو دين فيهما جميعا فإن جاز هذا جاز لغيره أن يجعله نقدا حيث جعله دينا ودينا حيث جعله نقدا (قال الشافعي) البيوع الصحيحة صنفان: بيع عين يراها المشترى والبائع وبيع صفة مضمونة على البائع وبيع ثالث وهو الرجل يبيع السلعة بعينها غائبة عن البائع والمشترى غير مضمونة على البائع إن سلمت السلعة حتى يراها المشترى كان فيها بالخيار باعه إياها على صفة وكانت على تلك الصفة التي باعه إياها أو مخالفة لتلك الصفة لأن بيع الصفات التي تلزم المشترى ما كان مضمونا على صاحبه ولا يتم البيع في هذا حتى يرى المشترى السلعة فيرضاها ويتفرقان بعد البيع من مقامهما الذي رآها فيه فحينئذ يتم البيع ويجب عليه الثمن كما يجب عليه الثمن في سلعة حاضرة اشتراها حتى يتفرقا بعد البيع عن تراض فيلزمهما ولا يجوز أن تباع هذه السلعة بعينها إلى أجل من الآجال قريب ولا بعيد من قبل أنه إنما يلزم بالأجل ويجوز فيما حل لصاحبه وأخذه مشتريه ولزمه بكل وجه، فأما بيع لم يلزم فلا يجوز أن يكون إلى أجل وكيف يكون على المشترى دين إلى أجل ولم يتم له بيع ولم يره ولم يرضه؟ فإن تطوع فنقد فيه على أنه إن رضى كان نقد الثمن وإن سخط رجع بالثمن لم يكن بهذا بأس وليس هذا من بيع وسلف ولا ان أسلفك في الطعام إلى أجل فآخذ منك بعد مجئ الأجل بعض طعام وبعض رأس مال فإن ذهب ذاهب إلى أن هذين أو أحدهما أو ما كان في مثل معناهما أو معنى واحد منهما من بيع وسلف فليس هذا من ذلك بسبيل ألا ترى أن معقولا لا شك فيه في الحديث إذا كان إنما نهى
(٢٤)