لقوم بمكة أن يقيموا بها بعد إسلامهم العباس بن عبد المطلب وغيره إذ لم يخافوا الفتنة وكان يأمر جيوشه أن يقولوا لمن أسلم " إن هاجرتم فلكم ما للمهاجرين وإن أقمتم فأنتم كأعراب وليس يخيرهم إلا فيما يحل لهم ".
أصل فرض الجهاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: ولما مضت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مدة من هجرته أنعم الله تعالى فيها على جماعة باتباعه حدثت لهم بها مع عون الله قوة بالعدد لم تكن قبلها ففرض الله تعالى عليهم الجهاد بعد إذ كان إباحة لا فرضا فقال تبارك وتعالى " كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم " وقال عز وجل " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم " الآية وقال تبارك وتعالى " وقاتلوا في سبيل الله واعلموا ان الله سميع عليم " وقال عز وجل " وجاهدوا في الله حق جهاد " وقال " فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق " وقال عز وجل " مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم " إلى " قدير " وقال " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم " الآية ثم ذكر قوما تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن كان يظهر الاسلام فقال " لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك " الآية فأبان في هذه الآية أن عليهم الجهاد فيما قرب وبعد بعد إبانته ذلك في غير مكان في قوله " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب " قرأ الربيع إلى " أحسن ما كانوا يعملون " وسنبين من ذلك ما حضرنا على وجهه إن شاء الله تعالى قال الله عز وجل " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله " قرأ الربيع الآية وقال " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص " وقال " ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله " مع ما ذكر به فرض الجهاد وأوجب على المتخلف عنه.
من لا يجب عليه الجهاد (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: فلما فرض الله تعالى الجهاد دل في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنه لم يفرض الخروج إلى الجهاد على مملوك أو أنثى بالغ ولا حر لم يبلغ لقول الله عز وجل " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا " وقرأ الربيع الآية فكأن الله عز وجل حكم أن لا مال للمملوك ولم يكن مجاهد إلا ويكون عليه للجهاد مؤنة من المال ولم يكن للمملوك مال. وقد قال لنبيه صلى الله عليه وسلم " حرض المؤمنين على القتال " فدل على أنه أراد بذلك الذكور دون الإناث لأن الإناث المؤمنات.
وقال عز وجل " وما كان المؤمنون لينفروا كافة " وقال " كتب عليكم القتال " وكل هذا يدل على أنه أراد به الذكور دون الإناث وقال عز وجل إذا أمر بالاستئذان: " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم " فأعلم أن فرض الاستئذان إنما هو على البالغين. وقال: " وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا) فلم يجعل لرشدهم حكما تصير به أموالهم إليهم إلا بعد البلوغ فدل على أن الفرض في العمل إنما هو على البالغين، ودلت السنة ثم ما لم أعلم فيه مخالفا من أهل العلم على مثل ما وصفت (قال الشافعي) رحمه الله تعالى: أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبد الله أو عبيد الله عن نافع عن ابن عمر " شك الربيع " قال عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم " أحد "