تفريع فرض الجهاد (قال الشافعي) قال الله عز وجل " قاتلوا الذين يلونكم من الكفار " قال ففرض الله جهاد المشركين ثم أبان من الذين نبدأ بجهادهم من المشركين فأعلمهم أنهم الذين يلون المسلمين وكان معقولا في فرض الله جهادهم أن أولاهم بأن يجاهد أقربهم بالمسلمين دارا لأنهم إذا قووا على جهادهم وجهاد غيرهم كانوا على جهاد من قرب منهم أقوى وكان من قرب أولى أن يجاهد من قربه من عورات المسلمين وأن نكاية من قرب أكثر من نكاية من بعد قال فيجب على الخليفة إذا استوت حال العدو أو كانت بالمسلمين عليهم قوة أن يبدأ بأقرب العدو من ديار المسلمين لأنهم الذين يلونهم ولا يتناول من خلفهم من طريق المسلمين على عدو دونه حتى يحكم أمر العدو دونه بأن يسلموا أو يعطوا الجزية إن كانوا أهل كتاب وأحب له إن لم يرد تناول عدو وراءهم ولم يطل على المسلمين عدو أن يبدأ بأقربهم من المسلمين لأنهم أولى باسم الذين يلون المسلمين، وإن كان كل يلي طائفة من المسلمين فلا أحب أن يبدأ بقتال طائفة تلى قوما من المسلمين دون آخرين وإن كانت أقرب منهم من الأخرى إلى قوم غيرهم، فإن اختلف حال العدو فكان بعضهم أنكى من بعض أو أخوف من بعض فليبدأ الإمام بالعدو الأخوف أو الأنكى ولا بأس أن يفعل وإن كانت داره أبعد إن شاء الله تعالى حتى ما يخاف ممن بدأ به مما لا يخاف من غيره مثله وتكون هذه بمنزلة ضرورة لأنه يجوز في الضرورة ما لا يجوز في غيرها وقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلم عن الحرث بن أبي ضرار أنه يجمع له فأغار النبي صلى الله عليه وسلم وقربه عدو أقرب منه وبلغه أن خالد بن أبي سفيان (1) بن شح يجمع له فأرسل ابن أنيس فقتله وقربه عدو أقرب (قال الشافعي) وهذه منزلة لا يتباين فيها حال العدو كما وصفت والواجب أن يكون أول ما يبدأ به سد أطراف المسلمين بالرجال وإن قدر على الحصون والخنادق وكل أمر دفع العدو قبل انتياب العدو في ديارهم حتى لا يبقى للمسلمين طرف إلا وفيه من يقوم بحرب من يليه من المشركين وإن قدر على أن يكون فيه أكثر فعل ويكون القائم بولايتهم أهل الأمانة والعقل والنصيحة للمسلمين والعلم بالحرب والنجدة والأناة والرفق والاقدام في موضعه وقلة البطش والعجلة (قال الشافعي) فإذا أحكم هذا في المسلمين وجب عليه أن يدخل المسلمين بلاد المشركين في الأوقات التي لا يغرر بالمسلمين فيها ويرجو أن ينال الظفر من العدو فإن كانت بالمسلمين قوة لم أر أن يأتي عليه عام إلا وله جيش أو غارة في بلاد المشركين الذين يلون المسلمين من كل ناحية عامة وإن كان يمكنه في السنة بلا تغرير بالمسلمين أحببت له أن لا يدع ذلك كلما أمكنه وأقل ما يجب عليه أن لا يأتي عليه عام إلا وله فيه غزو حتى لا يكون الجهاد معطلا في عام إلا من عذر، وإذا غزا عاما قابلا غزا ببلدا غيره ولا يتابع الغزو على بلد ويعطل من بلاد المشركين غيره إلا أن يختلف حال أهل البلدان فيتابع الغزو على من يخاف نكايته أو من يرجو غلبة المسلمين على بلاده فيكون تتابعه على ذلك وعطل غيره بمعنى ليس في غيره مثله. قال: وإنما قلت بما وصفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخل من حين فرض عليه الجهاد من أن غزا بنفسه أو غيره في عام من غزوة أو غزوتين أو سرايا وقد كان يأتي عليه الوقت لا يغزو فيه ولا يسرى سرية وقد يمكنه ولكنه يستجم ويجم له ويدعو ويظاهر الحجج على من دعاه، ويجب على أهل الإمام أن يغزوا
(١٧٧)