دلالة إذا كان الكلأ شيئا من رحمة الله أن رحمة الله رزقه خلقه عامة للمسلمين وليس لواحد منهم أن يمنعها من أحد إلا بمعنى ما وصفنا من السنة والأثر الذي في معنى السنة وفى منع الماء ليمنع به الكلأ الذي هو من رحمة الله عام يحتمل معنيين أحدهما أن ما كان ذريعة إلى منع ما أحل الله لم يحل وكذلك ما كان ذريعة إلى إحلال ما حرم الله تعالى (قال الشافعي) فإن كان هذا هكذا ففي هذا ما يثبت أن الذرائع إلى الحلال والحرام تشبه معاني الحلال والحرام ويحتمل أن يكون منع الماء إنما يحرم لأنه في معنى تلف على ما لا غنى به لذوي الأرواح والآدميين وغيرهم فإذا منعوا فضل الماء منعوا فضل الكلأ، والمعنى الأول أشبه والله أعلم فلو أن جماعة كان لهم مياه ببادية فسقوا بها واستقوا، وفضل منها شئ فجاء من لا ماء له يطلب أن يشرب أو يسقى إلى واحد منهم دون واحد لم يجز لمن معه فضل من الماء وإن قل منعه إياه إن كان في عين أو بئر أو نهر أو غيل لأنه فضل ماء يزيد ويستخلف، وإن كان الماء في سقاء أو جرة أو وعاء ما كان، فهو مختلف للماء الذي يستخلف فلصاحبه منعه وهو كطعامه إلا أن يضطر إليه مسلم والضرورة أن يكون لا يجد غيره بشراء أو يجد بشراء، ولا يجد ثمنا فلا يسع عندي والله أعلم منعه لأن في منعه تلفا له وقد وجدت السنة توجب الضيافة بالبادية والماء أعز فقدا وأقرب من أن يتلف من منعه وأخف مؤنة على من أخذ منه من الطعام فلا أرى من منع الماء في هذه الحال إلا آثما إذا كان معه فضل من ماء في وعاء فأما من وجد غنى عن الماء بماء غير ماء صاحب الوعاء فأرجو أن لا يخرج من منعه.
إقطاع الوالي (قال الشافعي) رحمه الله: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن يحيى بن جعدة قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أقطع الناس الدور فقال حي من بنى زهرة يقال لهم بنو عبد بن زهرة نكب عنا ابن أم عبد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلم ابتعثني الله إذا؟ إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه " (قال الشافعي) في هذا الحديث دلائل: منها أن حقا على الوالي إقطاع من سأله القطيع من المسلمين لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيهم حقه " دلالة أن (1) لمن سأله الاقطاع أن يؤخذ للضعيف فيهم حقه وغيره ودلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقطع الناس بالمدينة وذلك بين ظهراني عمارة الأنصار من المنازل والنخل فلم يكن لهم بالعامر منع غير العامر ولو كان لهم لم يقطعه الناس وفى هذا دلالة على أن ما قارب العامر وكان بين ظهرانيه وما لم يقارب من الموات سواء في أنه لا مالك له فعلى السلطان إقطاعه ممن سأله من المسلمين (قال الشافعي) أخبرنا ابن عيينة عن هشام عن عروة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضا وأن عمر بن الخطاب أقطع العقيق أجمع وقال أين المستقطعون؟ (قال الشافعي) والعقيق قريب من المدينة وقوله " أين المستقطعون نقطعهم " وإنما أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عمر ومن أقطع ما لا يملكه أحد يعرف من الموات وفى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " من أحيا مواتا فهو له " دليل على أن من أحيا مواتا كان له كما يكون له إن أقطعه واتباع في أن يملك