فقال بكران من إبل الصدقة تخلفا وقد مضى بإبل الصدقة فأردت أن الحقهما بالحمى وخشيت أن يضيعا فيسألني الله عنهما فقال عثمان يا أمير المؤمنين هلم إلى الماء والظل وتكفيك فقال عد إلى ظلك فقلت عندنا من يكفيك فقال عد إلى ظلك فمضى فقال عثمان " من أحب أن ينظر إلى القوى الأمين فلينظر إلى هذا " فعاد إلينا فألقى نفسه (قال الشافعي) في حكاية قول عمر لعثمان في البكرين اللذين تخلفا وقول عثمان " من أحب أن ينظر إلى لقوى الأمين فلينظر إلى هذا " (أخبرنا) مالك عن ابن شهاب يعنى بما حكاه عن عمر وعثمان (قال الشافعي) وإن كان للخليفة مال يحمل عليه في سبيل الله من إبل وخيل فلا بأس أن يدخلها الحمى وإن كان منها مال لنفسه فلا يدخلها الحمى فإنه إن يفعل ظلم لأنه منع منه وأدخل لنفسه وهو من أهل القوة (قال الشافعي) وهكذا من كان له مال يحمل عليه في سبيل الله دون الخليفة قال ومن سأل الوالي أن يقطعه في الحمى موضعا يعمره فإن كان حمى النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن إلا منعه إياه وأن عمر أبطل عمارته وكان كمن عمر فيما ليس له أن يعمر فيه وإن كان حمى أحدث بعده فكان يرى الحمى حقا كان له منعه ذلك وإن أراد العمارة كان له منعه العمارة وإن سبق فعمر لم يبن لي أن تبطل عمارته والله تعالى أعلم. ويحتمل إذا جعل الحمى حقا وكان هو في معنى ما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه حمى لمثل ما حماه له أن يبطل عمارته، وإن أذن له الوالي بعمارة لم يكن له إبطال عمارته لأن إذنه له إخراج له من الحمى وقد يجوز أن يخرج ما أحدث حماه من الحمى ويحمى غيره إذا كان غير ضرر على من حماه عليه، وليس للوالي بحال أن يحمى من الأرض إلا أقلها، وقد يوسع الحمى حتى يقع موقعا ويبين ضرره على من حمى عليه، وما أحدث من حمى فرعاه أحد لم يكن عليه في رعيته شئ أكثر من أن يمنع رعيته، فأما غرم أو عقوبة فلا أعلمه عليه.
تشديد أن لا يحمى أحد على أحد (قال الشافعي) أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " من منع فضول الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته يوم القيامة " (قال الشافعي) ففي هذا الحديث ما دل على أنه ليس لأحد أن يمنع فضل مائه وإنما يمنع فضل رحمة الله بمعصية الله فلما كان منع فضل الماء معصية لم يكن لاحد منع فضل الماء، وفى هذا الحديث دلالة على أن مالك الماء أولى أن يشرب به ويسقى وأنه إنما يعطى فضله عما يحتاج إليه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته " وفضل الماء الفضل عن حاجة مالك الماء (قال الشافعي) وهذا أوضح حديث روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الماء، وأشبه معنى لأن مالكا روى عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا يمنع نفع البئر (قال الشافعي) فكان هذا جملة ندب المسلمون إليها في الماء، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أصحها وأبينها معنى (قال الشافعي) وكل ماء ببادية يزيد في عين أو بئر أو غيل أو نهر بلغ مالكه منه حاجته لنفسه وماشيته وزرع إن كان له فليس له منع فضله عن حاجته من أحد يشرب أو يسقى ذا روح خاصة دون الزرع وليس لغيره أن يسقى منه زرعا ولا شجرا إلا أن يتطوع بذلك مالك الماء، وإذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من منع فضل الماء ليمنع به الكلأ منعه الله فضل رحمته " ففي هذا