وكذلك الركوب مختلف ففيها أمور تفسدها وهي عندنا بيع والبيوع كما وصفنا، ومن أجازها فقد يحكم فيها بحكم البيع لأنها تمليك ويخالف بينها وبين البيع في أنها تمليك وليست محاطا بها، فإن قال أشبهها بالبيع فليحكم لها بحكمه، وإن قال هي بيع فقد أجاز فيها ما لا يجيزه في البيع (قال الشافعي) وهذا القول جهل ممن قاله والإجارات أصول في أنفسها بيوع على وجهها وهذا كلها جائز قال الله تبارك وتعالى " فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن " فأجاز الإجارة على الرضاع والرضاع يختلف لكثرة رضاع المولود وقلته وكثرة اللبن وقلته ولكن لما لم يوجد فيها إلا هذه جازت الإجارة عليه، وإذا جازت عليه جازت على مثله وما هو في مثل معناه وأحرى أن يكون أبين منه، وقد ذكر الله عز وجل الإجارة في كتابه وعمل بها بعض أنبيائه. قال الله عز وجل: " قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين * قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج " الآية (قال الشافعي) قد ذكر الله عز وجل أن نبيا من أنبيائه آجر نفسه حججا مسماة ملكه بها بضع امرأة، فدل على تجويز الإجارة وعلى أنه لا بأس بها على الحجج إن كان على الحجج استأجره وإن كان استأجره على غير حجج فهو تجويز الإجارة بكل حال، وقد قيل استأجره على أن يرعى له والله تعالى أعلم.
(قال الشافعي) فمضت بها السنة وعمل بها غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يختلف أهل العلم ببلدنا علمناه في إجارتها وعوام فقهاء الأمصار (أخبرنا) مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن حنظلة من قيس أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض فقال أبا لذهب والورق؟ قال أما بالذهب والورق فلا بأس به (قال الشافعي) فرافع سمع النهى من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعلم بمعنى ما سمع وإنما حكى رافع النهى عن كرائها بالثلث والربع وكذلك كانت تكرى وقد يكون سالم سمع عن رافع بالخبر جملة فرأى أنه حدث به عن الكراء بالذهب والورق فلم ير بالكراء بالذهب والورق بأسا لأنه لا يعلم أن الأرض تكرى بالذهب والورق وقد بينه غير مالك عن رافع أنه على كراء الأرض ببعض ما يخرج منها (أخبرنا) مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن استكراء الأرض بالذهب والورق فقال لا بأس به (أخبرنا) مالك عن هشام بن عروة عن أبيه شبيها به، أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله، أخبرنا مالك انه بلغه أن عبد الرحمن بن عوف تكارى أرضا فلم تزل بيده حتى هلك قال ابنه فما كنت أراها إلا أنها له من طول ما مكثت بيده حتى ذكرها عند موته فأمرنا بقضاء شئ بقي عليه من كرائها من ذهب أو ورق (قال الشافعي) والإجارات صنف من البيوع لأن البيوع كلها إنما هي تمليك من كل واحد منهما لصاحبه يملك بها المستأجر المنفعة التي في العبد والبيت والدابة إلى المدة التي اشترط حتى يكون أحق بالمنفعة التي ملك من مالكها ويملك بها مالك الدابة والبيت العوض الذي أخذه عنها وهذا البيع نفسه فإن قال قائل قد تخالف البيوع في أنها بغير أعيانها وأنها غير عين إلى مدة (قال الشافعي) فهي منفعة معقولة من عين معروفة فهي كالعين (قال الشافعي) والبيوع قد تجتمع في معنى أنها ملك وتختلف في أحكامها ولا يمنعها اختلافها في عامة أحكامها وأنه يضيق في بعضها الامر ويتسع في غيره من أن تكون كلها بيوعا يحللها ما يحلل البيع ويحرمها ما يحرم البيع في الجملة ثم تختلف بعد في معان أخر فلا يبطل صنف منها خالف صنفا في بعض أمره بخلافه صاحبه وإن كانا قد يتفقان في معنى غير المعنى الذي اختلفا فيه فالبيوع لا تحل إلا