الدفع إلا بالدفع فكان أكثر ما على المتبايعين أن يسلم هذا ما باع وهذا ما اشترى به فلما لم يفعلا لم يخرجا من ضمان بحال وقال الله جل وعلا " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " فلو أن امرءا نكح امرأة واستخزنها ماله ولم يحل بينها وبين قبض صداقها ولم يدفعه إليها لم يبرأ منه بأن يكون واجدا له وغير حائل دونه وأن تكون واجدة له غير محول بينها وبينه وقال الله عز وجل " وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " فلو أن امرءا أحضر مساكين وأخبرهم أن لهم في ماله دراهم أخرجها بأعيانها من زكاة ماله فلم يقبضوها ولم يحل بينهم وبينها لم تخرج من أن تكون مضمونة عليه حتى يؤديها ولو تلفت في يده تلفت من ماله وكذلك لو تطهر للصلاة وقام يريدها ولا يصليها لم يخرج من فرضها حتى يصليها ولو وجب عليه أن يقتص من نفسه من دم أو جرح فأحضر الذي له القصاص وخلى بينه وبين نفسه أو خلى الحاكم بينه وبينه فلم يقتص ولم يعف لم يخرج هذا مما عليه من القصاص ثم لا يخرج أحدهما مما قبله إلا بأن يؤديه إلى من هو له أو يعفوه الذي هو له وهكذا أصل فرض الله عز وجل في جميع ما فرض قال الله عز وجل " ودية مسلمة إلى أهله " فجعل التسليم الدفع لا الوجود وترك الحول والدفع وقال في اليتامى " فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم " وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم " وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل " ففرض على كل من صار إليه حق لمسلم أو حق له (1) أن يكون مؤديه وأداؤه دفه لا ترك الحول دونه وسواء دعاه إلى قبضه أو لم يدعه ما لم يبرئه منه فيبرأ منه بالبراءة أو يقبضه منه في مقامه أو غير مقامه ثم يودعه إياه وإذا قبضه ثم أودعه إياه فضمانه من مالكه (قال الربيع) يريد القابض له وهو المشترى (قال الشافعي) وإذا اكترى الرجل من الرجل الأرض أو الدار كراء صحيحا بشئ معلوم سنة أو أكثرتم قبض المكترى ما اكترى فالكراء له لازم فيدفعه حين يقبضه إلا أن يشترطه إلى أجل فيكون إلى أجله فإن سلم له ما اكترى فقد استوفى وإن تلف رجع بما قبض منه من الكراء كله فيما لم يستوف فإن قال قائل فكيف يجوز أن يكون يدفع إليه الكراء كله ولعل الدار أن تتلف أو الأرض قبل أن يستوفى؟ قيل لا أعلم يجوز غير هذا من أن تكون الدار التي ملك منفعتها مدفوعة إليه فيستوفى المنفعة المدة التي شرطت له وأولى الناس أن يقول بهذا من زعم أن الجائحة موضوعة وقد دفع البائع الثمرة إلى المشترى ولو شاء المشترى أن يقطعها كلها قطعها فلما كان المشترى إذا تركها إلى أوان يرجو أن تكون خيرا له فتلف رجع بحصة ما تلف كان في الدار التي لا يقدر على قبض منفعتها إلا في مدة تأتى عليها أولى أن يجعل الثمن للمكري حالا كما يجعله للثمرة إلا أن يشترطه إلى أجل فإن قال قائل من قال هذا؟ قيل له عطاء بن أبي رباح وغيره من المكيين فإن قال فما حجتك على من قال من المشرقيين إذا تشارطا فهو على شرطهما وإن لم يتشارطا فكلما مر عليه يوم له حصة من الكراء كان عليه أن يدفع كراء يومه قيل له من قال هذا لزمه في أصل قوله أن يجيز الدين بالدين إذا لم يقل كما قلنا إن الكراء يلزم بدفع الدار لأنه لا يوجد في هذا أبدا دفع غيره وقال المنفعة تأتى يوما بعد يوم فلا أجعل دفع الدار يكون في حكم دفع المنفعة قيل فالمنفعة دين لم يأت والمال دين لم يأت وهذا الدين بالدين وسواء كانت أرض نيل أو غيرها أو أرض مطر (قال) وإذا تكارى الرجل المسلم من الذمي أرض عشر أو خراج فعليه فيما أخرجت من الزرع الصدقة فإن قال قائل فما الحجة في هذا؟ قيل لما أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة من
(٢٠)