فارتفع، فخطب قبل الصلاة.
فقلت له: غيرتم والله!
فقال: أبا سعيد! قد ذهب ما تعلم!
فقلت: ما أعلم والله خير مما لا أعلم!
فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة (1)!
وهل يمكن تصديق قول جرير بن حازم: سمعت نافعا يقول: لقد رأيت المدينة وما بها أشد تشميرا، ولا أفقه، ولا أقرأ لكتاب الله من عبد الملك (2)!
علما، أن عبد الملك هذا هو ابن مروان بن الحكم - طريد رسول الله - وقد ولد من أبوين أمويين أبوه: مروان بن الحكم بن العاص (طريد رسول الله). وأمه: عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن العاص، الذي جدع أنف حمزة عم النبي يوم أحد (3)، والذي أمر رسول الله بضرب عنقه. ثم بأي منطق يمكن أن يعد عبد الملك أفقه وأقرأ الناس، مع علمنا أن المدينة لم تخلو يوما من الفقهاء والعلماء، فهل كانت الساحة خالية حقا حتى يتصدر الحاكم ريادة الفقه والقراءة، لأنه الأفقه والأقرأ؟!
ولماذا يبكي أنس، عندما كان في دمشق؟!
قال الزهري: دخلت على أنس بن مالك بدمشق، وهو يبكي.. فقلت:
ما يبكيك؟!
قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت (4)!!
وأخرج البخاري، عن غيلان، أنه قال: قال أنس: ما أعرف شيئا مما كان على عهد النبي!
قيل: الصلاة!