ويخيل إلي أن الذين يكبرون من أمر ابن سبأ إلى هذا الحد يسرفون على أنفسهم وعلى التاريخ إسرافا شديدا، وأول ما نلاحظه أنا لا نجد لابن سبأ ذكرا في المصادر المهمة التي قصت أمر الخلاف على عثمان، فلم يذكره ابن سعد حين قص ما كان من خلافة عثمان أو انتفاض الناس عليه، ولم يذكره البلاذري في أنساب الأشراف، وهو فيما أرى أهم المصادر لهذه القصة وأكثرها تفصيلا، وذكره الطبري عن سيف بن عمر، وعنه أخذ المؤرخون الذين جاؤوا بعده فيما يظهر.
ولست أدري أكان لابن سبأ خطر أيام عثمان أم لم يكن؟..
ولكني أقطع بأن خطره - إن كان له خطر - ليس ذا شأن، وما كان المسلمون في عصر عثمان ليعبث بعقولهم وآرائهم وسلطانهم طارئ من أهل الكتاب أسلم أيام عثمان!!
ومن أغرب ما يروى من أمر عبد الله بن سبأ هذا أنه هو الذي لقن أبا ذر نقد معاوية فيما يقولون من أن المال هو مال الله، وعلمه أن الصواب أن يقول: إنه مال المسلمين!.. ومن هذا التلقين إلى أن يقال: إنه هو الذي لقن أبا ذر مذهبه كله في نقد الأمراء والأغنياء....
فالذين يزعمون أن ابن سبأ قد اتصل بأبي ذر فألقى إليه بعض مقاله.. يظلمون أنفسهم، ويظلمون أبا ذر، ويرقون بابن السوداء هذا إلى مكانة ما كان يطمع في أن يرقى إليها.
والرواة يقولون: إن أبا ذر قال ذات يوم لعثمان بعد رجوعه من الشام إلى المدينة: لا ينبغي لمن أدى زكاة ماله أن يكتفي بذلك حتى يعطي السائل، ويطعم الجائع، وينفق في سبيل الله.
وكان كعب الأحبار حاضرا هذا الحديث، فقال: من أدى