الف حجاب من نور وظلمة، أي من الروحانيات والجسمانيات أو من الصفات الثبوتية والسلبية كما مر، وذلك لما مر ان كل ادراك بشرى، ظاهري أو باطني بلازمه تقيد وتعين يناسبه ويتناهى بذلك قوة ومدة وعدة، فنسبته إلى الحق المطلق الغير المتناهى نسبة المتناهى إلى اللا متناهي، فأين التراب ورب الأرباب؟.
448 - 5 فمن أصاب في فعل أو قول كاملا كان أو غيره، فأنت الذي وفقته وسددته، لأنه اثر قبولك الأزلي الغير المعلل، ومن أخطأ طرق مراضيك على مراتبها شريعة أو طريقة أو حقيقة، فأنت الذي حرمته وطردته، لأنه اثر ردك الأزلي الغير المعلل، ان رغب أحد فيك وطلبك لا لمقصد معين أو فيما لديك من بعض الكمالات النسبية، فبما ألهمت وزينت أحدهما، وان وافقك من بعض الوجوه - إذ لا يمكن ذلك من كل الوجوه في علمك بنفسك وبالأشياء حقائقها وخواصها - فبما أوضحت له وبينت.
449 - 5 وانما قدمنا ذكر العمل على العلم اما لأنه المقصود منه وهذا بالنسبة إلى المبتدى، أو لان العمل هو المفضى له بعد فضل الله إلى العلم الشهودي اليقيني بالنسبة إلى المنتهى.
450 - 5 والمناجاة إلى هنا حاكية لأسرار قوله تعالى: مالك يوم الدين (4 - الفاتحة) لان النشآت كلها ثمرات وإذا كان الكل بك ومنك واليك. فنقول: استغاثة واستعانة واستدعاء، سبحانك سبحانك، تكريره تقرير لوحدته الذاتية الكمالية الاطلاقية عن كل تقيد من التنزيه والتشبيه، ثم لوحدته الأسمائية والافعالية اللازمة كل منهما لما تقدمها، نفر منك إليك، إذ لا ملجأ ولا منجي منك الا إليك، ونعوذ بك منك، كما جاء في الحديث، ونعول في كل حال عليك، كما قيل:
على الله في كل الأمور توكلي * * وبالخمس أصحاب الكساء توسلي 451 - 5 فان قلت: إذا كان الكل منه وإليه، فأي فائدة في هذه الاستعاذة والاستدعاء؟
452 - 5 قلت: لأنهما أيضا منه، فلعلهما سببان مفضيان إلى حصول المطلوب في علم الله تعالى وقدره، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله: اعملوا فكل ميسر لما خلق له