والأصلان: حضرة الوجوب والامكان، أو قل: حضرة الأسماء والأعيان، ومعلوم ان أحدية الحق لا تقتضى ايجاد شئ، بل الحق من حيثها غنى عن العالمين لا يناسب شيئا، ومعلوم أيضا ان لا ايجاد ولا اثر بدون الارتباط، ولا ارتباط الا بالمناسبة، والمناسبة انما تنشأ من جهة التضايف الثابت بين الاله والمألوه.
1127 - 4 إذا ثبت هذا فالأصلان للتكليف: أحدهما ايجاب ذاتي الهى منه عليه قبل ان يظهر للغير عين، ولسانه: كتب على نفسه الرحمة (12 - الانعام) و: حقت كلمة ربك (6 - غافر) ونحوهما. والاخر: ان التجلي الوجودي له الاطلاق التام عن القيود الامكانية، ومن حيث انطباعه فيها أضيفت إليه الأوصاف المختلفة وتقيدت بالقيود اللازمة باستحالة تعقله مجردا عنها، غاية الأمر الانتهاء إلى قيد واحد هو الامكان، فلا جرم اقتضت الحكمة العادلة وحكم الحضرة الجامعة الكاملة ظهور سر المجازاة بسر المناسبة المذكورة، فظهر التكليف الإلهي للعباد كلهم، وكل ما سواه عبد فتعينت القيود الامرية والأحكام الشرعية في مقابلة ما عرض للوجود من التقيدات العينية الامكانية التي بحسب ما يقتضيه الموطن والزمان والنشأة والأحوال، وبذلك التعين الامكاني لغيب الذات يظهر سر ارتباط الحق بالانسان وبالعكس.
1128 - 4 واحكام التكليف تتفاوت بالقلة والكثرة وبالدوام وعدمه بحسب القيود المضافة إلى الوجود، فمن كانت مرآة عينه الثابتة أقرب إلى الاعتدال، متناسبة الصفات والاحكام، وعلامته ان لا يظهر في المظهر حكم مخالف لما يقتضيه الامر في نفسه لذاته، كان أقل المجالي تكليفا وأتمها استحقاقا للمغفرة الكبرى التي لا يعرفها أكثر المحققين وأسرعها انسلاخا عن الاحكام التقييدية ما عدا قيد الامكان، كنبينا محمد صلى الله عليه وآله ثم الكمل من ورثته، لذا قيل: ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر (2 - الفتح) وأبيح له ولمن شاء الله ما حجر عن الغير.