369 - 4 وأقول: هنا استفادة من قول الشيخ الجندي: اعلم أن العالم في تركبه كالانسان، لذا قيل له انسان كبير، وللانسان: عالم صغير عند الجمهور وبالعكس عند المحققين، فان الانسان مركب من جوهرين هما جسمه وروحه، أحدهما - وهو الجسم - متحيز مظلم ثقيل منفعل متغير، والاخر - وهو الروح - متصف بأضدادها، نور من الحق يروح الأول عن ظلمته وكثافته وموته بحيوته الحقيقية وبساطته الوحدانية، وبالجملة عن خصائصه العدمية، ولا جامع بين هذين الجوهرين المتباينين غير الوجود الجوهري، فاوجد الله تعالى من جوهر الروح جوهرا ثالثا هو في نفسه كالروح وله تعلق التعمير والتسخير بالجسم يسمى نفسا ناطقة، وذلك لاشتماله على قوى وحقائق كثيرة ظهورها متوقف على ذلك التعلق، فجعله الله تعالى واسطة رابطة بين الجوهرين لمناسبته إياهما بجهتي وحدته الاطلاقية الذاتية وكثرته النسبية، فاوصل الفضائل الروحية القدسية الكمالية إلى الاخر.
370 - 4 فتعين روح الانسان من تجلى نفس الرحمان بحسب ماهيته القابلة وتعين نفسه من الروح النوراني بحسب مزاجه الجسماني، وتدبيرها بحسب قوتيها العلمية والعملية اللتين هما ذاتيتان له، فالأولى للعلم بمصالحه ومصالح بدنه، والثانية للأعمال والصور، فبعد تعينه في المزاج بحسبه وامتزاج القوى المزاجية البدنية بالقوى والحقائق النفسانية والتفاعل بينهما يحصل هيئة اجتماعية هي أحدية جمع حقائق الجوهرين وهى القلب، ولا يحجبنك ما في زعم الفلاسفة ان الكمالات الروحانية والعقلية تفيض عليها في أول ابداعها بالفعل دفعة، فإنه وهم، فإنها لم تخرج عن حقائقها الامكانية ونسبها العدمية الطالبة بذاتها، فدوامها لدوام التجلي الإلهي بالوجود بواسطة الروح الذي لا واسطة له، فالقلب حقيقة جامعة بين الحقائق الجسمانية والروحانية والاحكام النفسانية، فلذا استعد لقبول تجل الهى كمالي احاطي ثالث لا يمكن تعينه في التجلي الروحاني والجسماني على الانفراد، فتجليه من الحضرة الإلهية الجمعية والتعين الأول، ولذا اختص بالانسان.