ما أجمع عليه الأطباء من أن مبدأ التخليق والتصوير بعد الأربعين. فان قيل فكيف التوفيق بين هذا وبين حديث ابن مسعود وهو صريح في أن النطفة:
أربعين يوما نطفة.. ثم أربعين علقة ثم أربعين مضغة.. ومعلوم أن العلقة والمضغة لا صورة فيهما ولا جلد ولا لحم ولا عظم.. والحاجة إلى التوفيق بين حديثه وحديث حذيفة بن أسيد المتقدم.. ولا تنافي بين الحديثين بحمد الله.
" وهنا تصويران: أحدهما تصوير خفي لا يظهر وهو تصوير تقديري كما تصور حين تفصل الثوب أو تنجر الباب: مواضع القطع والفصل فيعلم عليها ويضع مواضع الفصل والوصل وكذلك كل من يضع صورة في مادة لا سيما مثل هذه الصورة.. ينشئ فيها التصوير والتخليق على التدرج شيئا بعد شئ لا وهلة واحدة كما يشاهد بالعيان في التخليق الظاهر في البيضة..
فههنا أربع مراتب:
أحدهما: تصوير وتخليق علمي لم يخرج إلى الخارج.
الثانية: مبدأ تصوير خفي يعجز الحس عن ادراكه.
الثالثة: تصوير يناله الحس ولكنه لم يتم بعد.
الرابعة: تمام التصوير الذي ليس بعده الا نفخ الروح.
فالمرتبة الأولى علمية.. والثلاث الاخر خارجية عينية.
وهذا التصوير بعد التصوير نظير التقدير بعد التقدير.. فالرب تعالى قدر مقادير الخلائق تقديرا عاما قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.. وهنا كتب الشقاوة والسعادة والأعمال والأرزاق والآجال.. والثاني تقدير بعد هذا وهو أخص منه.. وهو التقدير عند القبضتين حين قبض تبارك وتعالى بيمينه وقال هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون. وقبض أهل الشقاوة باليد الأخرى وقال: هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون..
والثالث تقدير بعد هذا وهو أخص منه كما في حديث حذيفة بن أسيد المذكور.