ومرحلة العلقة أربعين ومرحلة المضغة أربعين تناقض هذه الروايات السابقة جميعا فقد حاول هؤلاء العلماء التوفيق بين الروايات وبين فهمهم لرواية ابن مسعود ومثال ذلك ما قاله الإمام ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن (1):
" فان قيل قد ذكرتم أن تعلق الروح بالجنين انما يكون بعد الأربعين الثالثة وان خلق الجنين يجمع في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك.. وبينتم أن كلام الأطباء لا يناقض ما أخبر به الوحي فما تصنعون بحديث حذيفة بن أسيد الذي رواه مسلم في صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل الملك في النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة فيقول أي رب ذكرا أو أنثى؟ فيكتبان ويكتب علمه وأثره وأجله ورزقه ثم تطوى الصحيفة فلا يزاد فيها ولا ينقص ".
قيل نتلقاه بالقبول والتصديق وترك التحريف.. ولا ينافي ما ذكرناه. إذ غاية ما فيه ان التقدير وقع بعد الأربعين الأولى وحديث ابن مسعود يدل على أنه وقع بعد الأربعين الثالثة.. وكلاهما حق قاله الصادق صلى الله عليه وسلم.. وهذا تقدير بعد تقدير.. فالأول تقدير عند انتقال النطفة أول أطور التخليق.. والتقدير الثاني عند كمال خلقه ونفخ الروح. فذلك تقدير عند أول خلقه وتصويره.. وهذا تقدير عند تمام خلقه وتصويره..
" فإن قيل فما تصنعون بحديثه الآخر الذي رواه مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها.. ثم قال يا رب أذكر أم أنثى؟
فيقضي ربك ما يشاء ويكتب الملك بالصحيفة في يده فلا يزيد على أمره ولا ينقص ". وفي لفظ آخر في صحيح مسلم أيضا: " ان النطفة تقع في الرحم أربعين ليلة ثم يتسور عليها الملك الذي يخلقها فيقول:: يا رب أذكر أم أنثى؟ أسوي أم غير سوي؟ فيجعله الله سويا أو غير سوي - ثم يقول يا رب ما رزقه؟ وما أجله؟ وما خلقه؟ ثم يجعله الله عز وجل شقيا أو سعيدا " وقيل نتلقاه أيضا بالتصديق والقبول وترك التحريف.. وهذا يوافق